فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاتباع على حرف
[11] كان ذلك واقع المجادلين في الله باطلا .. و هناك طائفة ثانية يتحدث عنها السياق هنا ، و هم طائفة الحرفين التي تؤمن بالله ظاهرا و لكنها على شك ، فان اصابهم خير أطمأنت نفوسهم و ركنت اليه ، و ان اصابهم شر تردوا الى مهاوي اليأس و سوء الظن ، انهم كمنيمشي على طرف الهاوية يسقط فيها باقل زلة قدم ، و يزعم هؤلاء : ان مقياس الحق ما يحصلون عليه من المنافع ، فاذا ما أوتوا قدرا من المال و السلطة اذا هم مع الحق اما اذا محصوا بالبلاء من قبل الله نكصوا على اعقابهم .

[ و من الناس من يعبد الله على حرف ]


و الحرف هو : الحافة و الطرف .

[ فإن أصابه خير اطمأن به ]

ان هذا الاطمئنان ليس بالله ، و انما بذلك الخير الذي اصابه ، فهو يتبع قيادة الرسول ما دام يسبغ عليه الخير .

[ و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه ]

و لعل الانقلاب على الوجه تعبير عن التغيير كليا و بصورة فجائية ، حيث يقطع علاقته بالمؤمنين تماما ، و يقف في صفوف الكفار كاملا .

يتحدث الله عن هؤلاء قائلا :

[ خسر الدنيا و الأخرة ]

لان الانسان الـــذي يمشي على شك لا يصيب من الدنيا متاعا ، و لا ينال في الآخرة اجرا ، لانه في الدنيا كان مع المؤمنين و هم عادة ما يكونون مبتلين بالشدائد ، و يعيشون ظروفا صعبة من الفقر و الحرمان و المطاردة ، اما في الآخرة عندما يهب الله الاجر للمؤمنين لا يحسب منهم ، لانه ممن كان قلبه متعلقا بالكفار فهو نائل ما ينالونه .

و يؤكد القرآن و بشدة على عذاب هؤلاء ، لان اكثر الناس الذين يدعون الايمان انما هم من هذه الطائفة ، فهم يصلون في ظروف السلم و الهدنة ، اما اذا جد الجد و اصبحت الصلاة جريمة يعاقب عليها القانون ، فهم ليسوا مستعدين للصلاة ، انهم مع تقلبات السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع ، كالريشة في مهب الرياح .

و لقد فسرت كلمة ( حرف ) في الاحاديث بانه الشك ، و ابرز مظاهر الحرفية فيحياة هؤلاء ان انتمائهم الى القيادات الرسالية يخضع لقانون الحرفية ، فمتى ما وجدوا القيادة في حالة انتصار كانوا معها ، و متى ما كان العكس انفضوا عنها . و لذلك جاء في احاديث كثيرة و مأثورة : ان الحرفيين هم اولئك الذين يشكون في القيادات الالهية ، اذ ان الطاعة المطلقة للرسول و اوصيائه من الائمة و بعدهم الفقهاء ، هو ابرز مظاهر الايمان . و لذلك تجد السياق يحدثنا عن مسألة الولاء في الآيات التالية .

[12] مقياس الايمان الحق الانتماء الى القيادة الالهية ، و الثبات معها و طاعتها في الظروف الصعبة رغم مخالفتها للاهواء و المصالح الذاتية .

و أبرز مظاهـر الحرفية في الايمان الشك في القيادة الربانية عندما تأمر بعمل صعب ، أو يخالف قرارها هوى النفس ، أو حينما تتعرض لنكسة أو هزيمة . و ان مصير الحرفيين الارتماء في احضان القيادات الجاهلية ، كالسلطات الطاغوتية ، أو الأحزاب الملحدة ، او الفئات المنحرفة . و هذا يعتبر شركا ظاهرا في منطق القرآن . و هو في ذات الوقت ضلال بعيد .

[ يدعوا من دون الله ]

اي من دون الله ، و القيادة التي أمر الله باتباعها . من نبي مرسل أو امام معصوم ، أو قائد منصوب من قبله .

[ ما لا يضره و ما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ]أحيانا يتبع الانسان قيادة لا تنفعه و هو يحسب أنها تفيده بل هو ينفعها باتباعه لهــا ، أوليـــس الضلال أن يعبئ الانسان طاقاته من أجل لا شيء ، فلا نفع و لا دفع للضرر ؟!


و أبعد من هذا الضلال أن ينتمي البشر الى قيادة تضر و لا تنفع .

[13] [ يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه ]

حيث يتراءى لهذه الفئة من الناس ان القيادات الجاهلية توفر لهم قدرا من العزة ، و الثروة ، الا ان العاقبة هي الفقر و الاستعباد .

[ لبئس المولى ]

القائد .

[ و لبئس العشير ]

الصاحب .

و لعل هذه الآية تكشف لنا انه لا يجوز للانسان ان يأذن للآخرين باتباعه ان لم يعرف في ذاتــه الكفاءة ، و لا يجوز له ان يعتذر بقوله : ان الناس هم الذين نصبوني اماما و قائدا لهــم ، بل يجب عليه ان يعتزل عن هذا المنصب ، و اذا لم يعتزل فانه ممن يقول الله" لبئس المولى " .

[14] [ إن الله يدخل الذين ءامنوا و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ]و هم الذين آمنوا بالله ايمانا راسخا ، و ترجموا ايمانهم الى ممارسات عملية ، و سلوك صالح .

[ إن الله يفعل ما يريد ]

لانه قادر مريد مطلق القدرة و الإرادة ، يفعل ما يريد ، لا ما يريده غيره ، و منمظاهر إرادته الحكيمة حسن جزائه للمؤمنين الصالحين ، و سوء عقابه للمجادلين فيه ، و الشاكين في انبيائه و اوليائه .

أو ليـس الأولى بنا إذا ان نسعى الى جنات الرب التي وعدنا إياها ان كنا مؤمنين صادقين ؟ و أية جنات هي التي بشر الله عباده بالغيب ؟ دعنا نستمع الى ائمة آل البيت عليهم الســلام و هم يفسرون القرآن ، و ينقلوننا الى رحاب تلك الجنات التي بشر بها القرآن .


ان الله يدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات الى قوله تعالى و لباسهم فيها حرير حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك شوقني فقال : " يا ابا محمد من أدنى نعيم الجنة أن يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدنيا ، و ان ادنى أهل الجنة منزلا لو نزل به الثقلان الجن و الانس لوسعهم طعاما و شرابا ، و لا ينقص مما عنده شيئا ، و ان ايسر أهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق ، فاذا دخل ادناهن رأى فيها من الازواج و الخدم و الانهار و الثمار ما شاء اللهمما يملأ عينه قرة و قلبه مسرة ، فاذا شكر الله و حمده قيل له : ارفع رأسك الى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الأولى ، فيقول : يا رب اعطني هذه ، فيقول الله تعالى : ان اعطيتكها سألتني غيرها ، فيقول : رب هذه فاذا هو دخلها شكر الله و حمده ، قال : فيقال :
افتحوا له بابا الى الجنة و يقال له : ارفع رأسك فاذا قد فتح له باب من الخلد و يرى أضعاف ما كان فيما قبل فيقول عند مضاعف مسراته : رب لك الحمد الذي لا يحصى اذ مننت علي بالجنان ، و أنجيتني من النيران ، قال أبو بصير : فبكيت و قلت له : جعلت فداك زدني قال :
يا أبا محمد ان في الجنة نهرا في حافيته جوار نابتات ، اذا مر المؤمن بجارية اعجبته قلعها و أنبت الله عز و جل مكانها أخرى ، قلت : جعلت فداك زدني قال : يا أبــا محمد المـؤمن يزوج ثمانمأة عذراء ؛ و اربعة آلاف ثيب ، و زوجتين من الحور العين . قلت : جعلت فداك ثمانمأة عذراء ؟ قال : نعم ما يفترش منهن


شيئا الا وجدها كذلك . قلت : جعلت فداك من اي شيء خلقن الحور العين ؟ قال : من تربة الجنة النورانية و يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة كبدها مرآته و كبده مراتها ، قلت : جعلت فداك ألهن كلام يتكلمن به في الجنة قال : نعم . كلام لم يسمع الخلايق اعذب منه ، قلت : ما هو ؟ قال يقلن بأصوات رخيمة : نحن الخالدات فلا نموت ، و نحن الناعمات فلا نبأس ، و نحن المقيمات فلا نظعن ، و نحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن خلق لنا ، و طوبى لمن خلقنا له ، و نحن اللواتي لو أن قرن أحد بنا ، علق في جو السماء لأغشى نوره الابصار " . (1)


(1) بحار الانوار / ج 8 - ص 120


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس