الله يهدي من يريد [16] [ و كذلك أنزلناه ءايات بينات و ان الله يهدي من يريد ]
كما ان الجانب المادي من حياتنا محكوم بارادة الله سبحانه فكذلك الجانب المعنوي منها كالهداية ، و لو كان العقل و الفطرة كافيان لهداية الانسان ، فلماذا يضل البعض و يهتدي الآخرون و الجميع يمتلك العقل و الفطرة ؟ كلا .. ان الله يهدي من يريد . و ما دامت الهداية من الله فلنتخذه وليا ، لا نعبد سواه .
[17] [ إن الذين ءامنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ]ثم ان الاختلاف الناشئ بين البشر دليل واضح على ان الانسان بحاجة الىالله ليهديه الى الطريق القويم و ان الله هو الذي يقضي بالحق ، و يفصل بين اتباع المذاهب المختلفة .
[ ان الله على كل شيء شهيد ]
إن فصل الله بين المذاهب و الآراء المختلفة ، و بالتالي بين الحق و الباطل في كل قضية صغيرة أو كبيرة ، انما هو تجل لشهادته الشاملة لكل شيء ، و انه المهيمن الذي لا يعزب عن علمه شيء في السموات و الارض .
و لانه شهيد على كل شيء ، فلابد من احترام محضره المبارك ، و التحسس برقابته المباشرة و اشرافه الدائم ، و ان يسأل كل انسان نفسه عندما يهم بعمل أو قول ، او حتى عندما يجيل بخاطره فكرة ، و يريد ان يتخذ قرارا أو يصدر رأيا ، هل الله راض عن ذلك ، انه يحاسبه غدا عليه . ان هذا الاحساس هو الذي يبعث نور الهدى في ضمير البشر ، و يشد ازر العقل ضد الهوى ، و يساعد على منهجية التفكير دون الفوضى ، و يقوم سلوك الفرد دون التطرف .. و يجعل له من نفسه واعظا مرشدا .
لقد جاء في الأثر : ان زليخا عندما طلبت الفحشاء من يوسف (ع) و غلقت الابواب رأت في جانب الغرفة صنما ، فقامت وغطته ، فسألها يوسف : لماذا صنعت هكذا ؟ فقالت : لكي لا يرانا ، فقال يوسف : تستحين أنت من صنمك و هو لا يسمع و لا يبصر ، و لا استحي انا من ربي؟!
[18] ثم يوجه القرآن الحكيم نظر الانسان الى السماء و الارض .. الى آيات الله التي تشهد جميعها على هيمنة الله المطلقة و خضوع كل شيء في الوجود له سبحانه .
[ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات و من في الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و كثير من الناس ]ان هذه الاشياء تخضع خضوعا لله .
[ و كثير حق عليه العذاب ]
لكن كثيرا من الناس لا يسجدون لله و هؤلاء لا يشكلون في الواقع سوى نسبة ضئيلة اذا ما قيسوا بما في الكون من مخلوقات هائلة ، و اعداد غفيرة تعجز الكمبيوترات عن احصائها و تسجيلها .
ان كرامة الانسان تقتضي السجود لرب تسجد له السموات و الارض ، و من فيهما ، ذلك الله الفاعل ما يشاء ، اما السجود لصنم لا يضر و لا ينفع بل يضر ولا ينفع ، أو لبشر ذليل حقير كالسلاطين المغرورين ، أو كاصحاب الثروة المفسدين فانه يستتبع اهانة و ذلة و صغارا.
و الله سبحانه حين لا يهدي البشر يبتليه بعبادة الاصنام الصامتة أو الناطقة ، فيهينه بذلك، و من اهانه الله لا مكرم له من بعده .
و لا يقدر احد تحدي ارادة الله ، و الخروج عن اطار الاهانة الشركية الى عز التوحيد ، لان الله يفعل ما يشاء ، و لا يفعل ما يشاء غيره سبحانه .
[ و من يهن الله فماله من مكرم ان الله يفعل ما يشاء ]من اهانة هؤلاء ، او اكرام اولئك الذين يسجدون له ، من هنا كان علينا الالتجاء اليه ليهدينا اليه ، و يجعلنا ممن اكرمهم بالسجود له .
[19] [هذان خصمان اختصموا في ربهم ]
فريق هدى و فريق حق عليهم الضلالة ..
[ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ]
الذين كفروا تقطع لهم ثياب من نار فصلت بمقدارهم ، حتى تكون النار اكثر ملامسة لكل جزء من ابدانهم كذلك ليذوقوا العذاب الشديد .
[ يصب من فوق رؤويهم الحميم ]
عندما يحيط الثوب الناري بالجسم تبقى بعض الاعضاء مكشوفة كالرأس فيصب عليه الحميم الساخن ليكون العذاب شاملا لكل اجسامهم .
[20] [ يصهر به ما في بطونهم و الجلود ]
ان الحميم من شدة حرارته ( و الذي قيل في شانه انه الرصاص المذاب ) يصهر ما في اجوافهم القلب - الكبد الامعاء .
[21] [ و لهم مقامع من حديد ]
المقمعة : آلة تستعمل للدق ، تحملها الملائكة لتضرب بها رؤوس المجرمين .
[22] [ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيهــا و ذوقـوا عذاب الحريق ]بالرغم من ان الكفار في جهنم يعلمون ان لا أمل لهم في النجاة منها الا أنهم من شدة العذاب يحاولون الخروج منها بسب غمها و كدرها ، و في كل مرة يحاولون ذلك يفشلون ، و هذا بحد ذاته عذاب نفسي لهم .
هكذا يتبين مدى خطا الفكرة التفويضية التي ترى ان الله لا ينصر العبد فيالدنيا و الآخرة ، و انه لا يرتبط به شيء من التقدير و التدبير ، كلا .. ان الله هو الذي ينعم و يهدي و يكرم و يجازي ، فالى كهفه نلتجئ ، و من غضبه الى رحمته نفر، و به من عذابه نستعيذ .
|