بينات من الآيات
تعظيم الحرمات [30] [ ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ]
لان تعظيم حرمات الله و شرائعه يعود نفعه الى الفرد نفسه ، اذ يحتسبه الله له ، فيجازيه خيرا منه ، سواء في الدنيا بزيادة البركات ، أو في الآخرة بالجنات .
[ و أحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ]
ان الله احل لنا بهيمة الانعام الا النزر اليسير ، كالموقوذة و المتردية و النطيحة و ما اكل السبع ، و ان الالتزام بما احل الله و بما حرم ، هو جوهر التقوى و اهم مصاديقه .
[ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ]
هذا الشطر من الآية يبين الابعاد المعنوية للتقوى ، فتنقل الانسان من اجتناب اللحوم المحرمة ، الى اجتناب الرذائل الخلقية التي تضر بكرامة الانسان ، بل تضر المجتمع و تسيء اليه كله .
و نسأل ما هو الرجس ؟
لقد وقف المفسرون طويلا عند هذه الكلمة ، فمنهم من قال ، انها القمار و النرد و الشطرنج ، و منهم من قال : انها الاوثان التي تعبد من دون الله ، باعتبار ان الحج كان ملوثا عنــد الجاهلية بعبادة الاوثان ، و قد أمر الله سبحانه ان يطهر الحج من عبادة الأوثان . و قال بعضهم : ان الرجس هو مجرد قبول فكرة وجود الصنم في بيت الله الحرام . و قال بعضهم : انها تلك الذبائح التي تذبح لغير الله . و قد سبق ان قال الله تبارك و تعالى : " و احلت لكن الانعام الا ما يتلى عليكم " و في اماكن متفرقة من القرآن يؤكدالله على ان ما ذبح لغير الله حرام ، و انه رجس .
كل ذلك صحيح و مقبول و لكن يبدو ان هناك فكرة اعمق و هي : ان الانسان اما ان يعبد الله و حده لا شريك له ، و يلتزم بالقيم التي أمر بها الله سبحانه ، و اما ان يخضع للشيء اي شيء كان . بتعبير آخر : الناس اثنان ، فاما انسان قيمي يقدس القيم و يؤمن بالغيب ،أو انسان شيئي لا يؤمن الا بالشهود ، و هو يقدس الاشياء ، ان الرذيلة .. الانحراف .. الظلم .. الخ كل ذلك ناتج عن شيئية الانسان و عدم تقديسه للقيم ، و قد يحول في بعض الاحيان القيم الى الشيء ، فتراه يذهب الى الحج و لكنه ليس بهدف الوصول الى الله من خلاله، بل ينظر الى مناسكه نظرة شيئية ، فيتوجه قلبه الى هذه الاشياء دون ان يجعلها سبيلا و رمزا الى القيم التي وراءها ، فالكعبة يجب ان تكون عندنا رمز التوحيد و الوحدة ، و الذبح يجب أن يرمز الى ان كل شيء فداء لله ، و رمي الجمار يجب ان يرمز الى ضرورة مقاومة الشياطين ... الخ .
و الذي ينحرف فيعبد الشيء لا شك انه سوف ينحرف انحرافات أخرى ، و منها الشطرنج ، الذي يشبه الى حد ما تلك العادة الجاهلية التافهة ، التي كانت تقضي بالقرعة عند الأوثان ، ثم العمل بمقتضى ما يستخرج منها .
لذلك جــاء في الأثر : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال في قول الله عز و جــل :
" فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور "قال :
" الرجس من الأوثان الشطرنج ، و قول الزور الغنا " (1)و في حديث آخر عن الامام الصادق عليه السلام ايضا : ان من قول الزور :
" قول الرجل للذي يغني : احسنت " (2)
و في رواية ايمن بن خزيم عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال : خطبنا فقال :
" ايها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله " ثم قرأ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور " (3)و من مجموع هذه الاحاديث نستوحي ان قول الزور هو كل قول باطل .
[ و اجتنبوا قول الزور ]
صحيح ان كلمة ( قول الزور ) فسرت بالغناء و الطرب و اللهو ، و لكن أهم و أعظم من قول الزور هذا هو : ان يقول الانسان كلاما فينسبه الى الله تعالى ، و يتعبد به فيحلل ما حرم الله و يحرم ما احل الله سبحانه .
(1) نور الثقلين / ج 3 - ص 496
(2) المصدر / ص 495
(3) المصدر / ص 496
|