بينات من الآيات
اهداف الشعائر [36] [ و البدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ]
البدن هي الابل التي تقلد لتنحر في منى ، و هذه من الشعائر المقدسة ، و لنا فيها و امثالها من الشعائر خير ، خير مادي و معنوي ، بالاستفادة منها اولا ، و بالحصول على التقوى من خلالها ثانيا .
[ فاذكروا اسم الله عليها صواف ]
اي اذكروا اسم الله عليها حين تصف ايديها و ارجلها استعدادا للنحر ، و ذكر الله واجب عند النحر ، و ليست هنالك صيغة خاصة له ، الا ان الاثر جاء بنص يعتبر الاكمل ، ففي حديث مروي عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام جاء هذا الذكر عند النحر .
" و جهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما انا من المشركين ، ان صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و انا من المسلمين ، اللهم منك و لك ، بسم الله و بالله ، و الله اكبر ، اللهم تقبل مني " (1) .
(1) تفسير نمونه / ج 14 - ص 107
و فائدة هذه الشعائر هي أنها تزيد من الكمالات الروحية و المعنوية .
[ فإذا وجبت جنوبها ]
اي خرت صريعة بعد نحرها ، حتى استقرت جنباتها على الأرض بالكامل كناية عن انتهاء حركتها .
[ فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر ]
كلمتي ( القانع و المعتر ] تدلان على معنيين هما الفقير و المسكين . و الفقير هو الذي لا يملك قوت سنته ، اما المسكين فهو الذي اسكنه الفقر بيته ، و هو أشد فقرا منه .
و اصل كلمة القانع هو الفقير الذي يقتنع بما تعطيه ، فهو كما قال الرب سبحانه في آية أخرى : تحسبهم اغنياء من التعفف .. بينما اصل كلمة المعتر الذي لا يملك تعففا من السؤال . و الكلمة مشتقة من ( العر ) و هو مرض الجرب يصيب جلد البعير ، و كان المعتر قد أصاب وجهه مرض فسقط جلده كناية عن ذهاب ماء وجهه و عدم الحياء لديه . و جاء في رواية ان المعتر هو الذي يعتريك .. و لا يسال . و في حديث آخر عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام :
" القانع الذي يرضى بما اعطيته و لا يسخط و لا يكلم و لا يلوي شدقه غضبا ، و المعتر المار بك لتعطمه " . (1)[ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ]
الهدف من تسخير الله الانعام للانسان هو الشكر له سبحانه ، و عموما فان(1) نور الثقلين / ج 3 - ص 498
الهدف من النعم المادية هو التكامل المعنوي .
و نستوحي من هذه الآية : ان النعم المادية في الحياة الدنيا وسيلة للتكامل المعنوي ، فالانسان الجائع الذي لا يمتلك مأوى يأوي اليه ليحميه من قيظ الصيف و برد الشتاء ، من الصعب عليه ان يسعى من أجل بناء كيانه المعنوي ، ان ينمي علمه و ايمانه و تقواه ، اماالذي استطاع ان يتجاوز ضرورات حياته ، فان باستطاعته ان يتفرغ لما هيء له .
و ضرورات الحياة تشبه وقود السيارة ، فحينما تمتلئ السيارة بالوقود آنئذ تصبح مهيأة للسير ، فسير السيارة هو الهدف بينما الوقود ضرورة الهدف ، فالسيارة لم تصنع لكي تبتلع الوقود ، انما صنعت لكي تنطلق ، و كذلك الانسان لم يأت الى الحياة لكي يأكل و يشرب وينام ، و .. و .. انما اتى الى الحياة و فرضت عليه تلك السنن ، لكي يسمو بروحه و يعرج في مدارج الكمال .. و هذه الفكرة نستوحيها من الآيتين الاوليتين من هذا الدرس .
[37] ثم ان التقوى كالشجرة التي تنبت في القلب بحاجة الى تنمية ، و الاضحية تنمي شجرة التقوى في القلب .
[ لن ينال الله لحومها و لا دماؤها ]
ثم يبين الله سبحانه بأنه ليس لربها نصيب في لحومها أو دمائها ، انما النصيب راجع الى الناحر الذي يزداد بذلك تقوى و ايمانا .
[ و لكن يناله التقوى منكم ]
كذلك جاء في الحديث الشريف : ما علة الاضحية ؟ قال :
" انه يغفر لصاحبها عند اول قطرة تقطر من دمها الى الارض و ليعلم الله عز و جــل من يتقيه بالغيب . و اضاف : انظر كيف قبل الله قربان هابيل و رد قربان قابيــل " .
[ كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ]
ان نحر الانعام او ذبحها يهدف شكر الله . و في آية سابقة ، ذكر الله . ان هدف الشعائر هو تقوى القلوب ، اما هدف التسخير فهو تكبير الله ، كل ذلك يوحي بان الهدف الاسمى من النعم المادية التكامل المعنوي . و تكبير الله هو اخراجه من حد التعطيل و التشبيه ، كما جاء في الحديث ، و تكبير الله على الهداية تمجيده على ان هدانا للايمان ، و ارشدنا الى الحنيفية البيضاء . و الآية تشير الى التكبير ايام التشريق في الصلوات بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة ، و في الأمصار عقيب عشر صلوات . (1)[ و بشر المحسنين ]
كيف يمكن للانسان ان يستفيد من النعم في مجال تكامله المعنوي و الروحي ؟
يجيب القرآن على هذا السؤال و يقول : " و بشر المحسنين " ، فبالاحسان تخرج من شح الذات الى فضاء الخير ، فالعطاء مفتاح الرزق ، و طريق الايمان .
|