شرعية الجهاد [38] الايمان ليس مجرد كلام يقال ، و لا حتى عقيدة مقطوعة الجذور ، كلا ذلك لان الايمان حقيقة راسخة في القلب يصدقها العمل ، وانما يتضح ايمان(1) راجع الكتب الفقهية . و ايضا نور الثقلين / ج 3 - ص 500الانسان ، هل هو مستقر أم مستودع ؟
حينما ينزل في حلبة الصراع ، فيعرف مدى إيمانه ، و للصراع فوائد كثيرة اهمها :
1 / انه يجعل الانسان مؤمنا صادقا ، و يزيل عنه رواسب كفره و شكه ، و جهله و غفلته ، كما انه يكشف الافراد الضعفاء ايمانا و ارادة في المجتمع الاسلامي و الذين لا يستحقون ان يكونوا اعضاء مؤثرين فيه . و بكلمة موجزة : ان الجهاد يكرس الواقع الايماني في المجتمع .
2 / و الجهاد حصن المقدسات و درع الحرمات و الشعائر ، فاذا كانت الحرية مكفولة لجميع الناس عند حرم الله ، و اذا كان المؤمنون يقصدون - بكل أمان - بيت الله و معهم شعائرهم من اقصى الارض ، فلان المجاهدين يحمون البلاد من اطرافها ، و اذا كانت القوى الكافرةو المنافقة و المترفة لا تهتك حرمات الناس داخل البلاد فلان المجاهدين يقفون لهم بالمرصاد . و اذا كانت مراكز الطاعة المقدسة تعلوا في آفاق الارض فلان حولها ليوث الجهاد الاشداء . يحمونها كما يحمي الأسد عرينه .
و بالتالي فان المساجد ، و المعابد ، و الكنائس انما تقوم على اساس دفاع المؤمنين عنها ، و لو لا دفاع المؤمنين عن مراكز عبادتهم ، و محل اقامة شعائرهم و مناسكهم ، اذن لتهدمت هذه المساجد و المعابد و الكنائس على ايدي اعداء الله و اعداء دينه .
فالكعبة مثلا قائمة على دفاع المؤمنين ، عن وجودها و حرية العبادة فيها ، فاذا ترك المؤمنون الدفاع عنها فانها تزول حرمتها و قداستها .
ان ربط المقدسات بعمل المؤمنين و جهادهم هي اهم و ابرز فكرة حضارية يحتاجها المسلمون اليوم ، ان بعض المسلمين اليوم يظنون ان وجود رسم القرآن بينهميجعلهم اعزاء ، كلا .. ان ايمانهم بالقرآن و دفاعهم عنه هو الذي يجعل القرآن عزيزا بينهم و عزيزا في العالم أجمع .
فليـــس وجود الكعبة يعز المؤمنين فقط ، انما وجود المؤمنين حولها يجعلها عزيزة ايضا ، و من دون هذه العزة التي يسبغها المؤمنون على مقدساتهم ، فانها لا تبقى ، و نحن هنا نؤمن بدور الغيب الذي يظلل المؤمنين بظلال من التأييد و الرعاية ، ذلك ان الصراع بينالحـــق و الباطل ليس بعيدا عن هيمنة الغيب ، أو ليس الله يدافع عن المؤمنين ، بلى . و لكنه قد يدافع عنهم بايديهم ، و بكلمة : ان بداية اي تحرك يكون من الناس ، ثم يأتي التأييد و النصر من الله .
[ إن الله يدافع عن الذين ءامنوا ان الله لا يحب كل خوان كفور ]و هذه الآية تزرع الأمل و الثقة و الاطمئنان في قلوبنا ، لان الله يدافع عنا ، و معلوم ان الأمل وقود الثورة ، و الثقة وقود العمل ، و الاطمئنان قاعدة السعي .
[39] ان شياطين الجن والانس يحيطون بقلب الانسان و يملأونه باليـأس و الخوف ، اما ذكر الله فهو - على العكس من ذلك - ينمي فينا التطلع ، و يحفزنا للأخذ بحقنا ، كما انه يزرع الخوف و القلق في نفوس اعداء الدين ، و سراق الحرية ، الذين لا يزالون يخونون امانة الله و الناس ، و يكفرون بنعم الله .
[ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير ]يبحث الانسان المؤمن عن شرعية الجهاد ، و الله يعطيه هنا الشرعية بقوله : " اذن " فلقد اذن اللــه للمعتدى عليهم المظلومين ، ان يرفعوا راية القتال لرد ظلامتهم ، و ذلك لأنك ، مهما اصابك من الظلم و الاستضعاف ، لا يجوز ان تيأس من النصر ، بل جددالعزم لان الله قادر على نصرك ، فما دمت تملك شرعية الجهادو تحمل في جنبيك الأمل ، و كان هنالك من يدافع عنك و يحميك ، فماذا تنتظر بعدئذ ؟ اقتحم كل حصن و وكر ، و جاهد كل طاغية ، فان قوة الله و عزته تتجلى في سواعد المؤمنين و بهم يدفع الله اعداءه و اعداء دينه ، و اعداء البشر .
[40] [ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ]هذه أبرز صورة من صور الظلم الذي قال عنه سبحانه " بانهم ظلموا " .
ذلك لأن أولئك الذين قالوا ربنا الله بصدق ، هم الذين رفضوا تسلط الطغاة ، و قاوموا هيمنة الجبارين . الذين أرادوا فرض قوانينهم و ثقافتهم على الناس . فكفروا بهم و آمنوا بالله الواحد . ثم استقاموا و اخرجوا من ديارهم لانهم احتفظوا باستقلالهم . و لعل الطغاة لم يفرضوا عليهم الخروج بل انهم هاجروا خشية بطش الجبارين ، و استعدوا للقتال حتى تحرير الارض من هيمنتهم . كما فعل المسلمون عندما أمرهم الله و رسوله بالهجرة الى المدينة . حيث نزلت الآية فيهم و جرت في غيرهم .
جــاء في الحديث المروي في كتاب الكافي عن الامام ابي جعفر الباقر عليه السلام انه قــال :
" نزلت في رسول الله و علي و حمزة و جعفر و جرت في الحسين عليهم السلام اجمعين " . (1)و كلمة ( ربنا الله ) هي هدف الهجرة و هدف الجهاد ، و هي في ذات الوقت وسيلة النصر و سبب الفتح . اذ ان اهم شروط الانتصار الاتجاه الكلي الى الله ، و المحافظة على استقلالية العمل في سبيله ، و الا نتصور يوما ان النصر يمر عبر عواصم(1) المصدر / ص 501
الشرق أو الغرب ، لانهما أعجز من ان يتوليا نصرنا ، وهم أعجز من نصر أنفسهم ، بل ان الله أمرنا بمقاومتهم لانهــم مصدر بلائنا ، و هم المسؤولون الحقيقيون عما يجري علينــا .
فهؤلاء المخرجون من ديارهم - هم المظلومون الذين تكفل الله بنصرهم و بتأييدهم ، شريطة ان يتجهوا اليه سبحانه .
[ ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ]صوامع : معابد يبنيها البعض في الاصقاع النائية يتعبدون فيها ، اما البيع : فهي معابد اليهود ، و الصلوات : هي معابد النصارى و كنائسهم ، و المساجد : محاريب المؤمنين ، و كل هذه المراكز تهدف ذكر الله ، و ذكر الله لا يتم إلا بالتحشيد الاجتماعي ، و تعبئةالناس ايمانيا من خلالها ، فاذا هدمت فان سببا من اسباب تجميع الناس على الايمان سوف ينهار ، فالمسجد و الكنيسة و الدير هي رمز للمؤمنين فتحطم هذا الرمز يعني زوال سبب وحدة المؤمنين و تجمعهم حول مبادئهم ، لذلك فان المؤمنين مأمورون بالحفاظ على مقدساتهم هذه.
[ و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ]
انصروا الله و القيم ، حافظوا على المقدسات و كرامتها ، دافعوا عن حرية الانسان انكم حين تعملون كل ذلك ينصركم الله ، و اذا نصركم فلا غالب لكم ، ان الله قوي يمتلك ادوات القوة فهو : " يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء " وهو عزيز "يعز من يشاء و يذل من يشاء " فهو يعزكم ان نصرتموه و الا اذلكم ، وان نصرتموه حقا اذل اعداءكم .
|