فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


اهداف الحركة الاسلامية
[41] [ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ]

تبين هذه الآية اهداف الحركة الاسلامية التي يجب ان يبصرها كل فرد رسالي ، و يخلص نيته في السعي ورائها ، و العمل الجدي من أجل بلوغها و هي :

1 - اقامة الصلاة : اذ انها رمز لكل العبادات من ناحية ، و من ناحية ثانية : فان اقامة الصلاة تعني توفير الشروط الموضوعية لاقامتها ، كبناء مساجد الله ، و السلامة الروحية ، و ...

2 - إيتاء الزكاة : و هو يشمل كل ابعاد الانفاق الواجب و المستحب و يساهم في ارساء العدالة الاجتماعية ، بل وفي توفير الرخاء في المجتمع المسلم .

3 - الأمر بالمعروف : القيام بما أمر به الشارع المقدس ، من التشجيع على الصالح من الاعمال .

4 - النهي عن المنكر : القضاء على كل المفاسد الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، و .. و ..

[ و لله عاقبة الأمور ]

ان الذي يجعل عمله و حركته متجهة الى الله ، فانه سوف يمسك بزمام الأمور و بالتالي فان له من الله العاقبة الحسنى ..

و هذه الآيات الكريمة توضح أهداف الحركة الاسلامية ، و شروط المجاهدين في سبيل الله ، الذين اذن لهم بالقتال ، و هم الذين يطبقون بانفسهم التعاليمالاسلامية ، ثم يندفعون لنشرها بين الناس و في الحديث المفصل التالي تبيان بالغ الاهمية لاهداف الحركة الاسلامية ، و شروط القائمين بها ، و نكمل هذا الدرس به :

جاء في الكافي مسندا عن ابي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : أخبرني عن الدعاء الى الله و الجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل الا لهم و لا يقوم به الا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عز و جل و آمن برسوله (ص) ، و من كان كذا فله أن يدعوا الى الله عز و جل و الى طاعته و ان يجاهد في سبيله ؟ فقال : ذلك قوم لا يحل الا لهم و لا يقوم بذلك الا من كل منهم ، قلت : من اولئك ؟ قال : من قام بشرائط الله تعالى في القتال و الجهاد على المجاهدين فهو مأذون له في الدعاء الى الله تعالى ، و من لم يكنقائما بشرائط الله في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد و لا الدعاء الى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد ، قلت : فبين لي رحمك الله .

قال : ان الله تعالى أخبر في كتابه الدعاء اليه و وصف الدعاة اليه ، فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ، و يستدل ببعضها على بعض . الى ان قال (ع) : ثم أخبر تبارك و تعالى انه لم يؤمر بالقتال الا أصحاب هذه الشروط ، فقال سبحانه و تعالى : " اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا و ان الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله " و ذلك ان جميع ما بين السماء و الارض لله عز و جل و لرسوله و لاتباعهم من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في ايدي المشركين و الكفار و الظلمة و الفجار من أهل الخلاف لرسول الله (ص) و المولى عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات ، و غلبوهم عليه ما أفاء الله (1) على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم و رده اليهم (2) .


(1) وفي المصدر " مما افاء الله " و في الوافي " فما افاء الله " .

(2) لعلنا نستفيد من هذه الكلمة : ان السلطة في العالم يجب ان تكون للمؤمنين الصادقين فهي لهم حقا .


ثم قال عليه السلام : و انما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها ، و ذلك انه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، و لا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشترط الله تعالى على المؤمنين و المجاهدين ، فاذا تكاملت فيه شرائط الله تعالى كان مؤمنا ، واذا كان مؤمنا كان مظلوما ، و اذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد ، لقوله عز وجل : " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و ان الله على نصرهم لقدير " و ان لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن يبغي و يجب جهاده حتى يتوب ، و ليس مأذنونا له في الجهاد و الدعاء الى الله عز و جل ، لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال ، فلما نزلت هذه الآية : " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم و أموالهم أحل لهم جهادهم بظلمه اياهم و أذن لهــم في القتال .

فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم فما بالهم في قتال كسرى و قيصر و من دونهم من مشركي قبائل العرب ؟ فقال : لو كان انما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم الى قتال جموع كسرى و قيصر و غير أهل مكة من قبائل العرب سبيل، لان الذين ظلموهم غيرهم ، و انما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لاخراجهم اياهم من ديارهم و أموالهم بغير حق ، و لو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم ، اذ لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد ، و كان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم اذا لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد ، و ليس كما ظننت ولا كما ذكرت ؛ و لكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم أهل مكة باخراجهم من ديارهم و أموالهم ، فقاتلوهم باذن الله لهم في ذلك ، و ظلمهم كسرى و قيصر و من كان دونهم من قبائل العرب و العجم بما كان في أيديهم ، مما كان


المؤمنون أحق به منهم ، فقد قاتلوهم باذن الله تعالى لهم في ذلك . (1)و بحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان ، و إنما أذن الله للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله - تعالى - من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان و الجهاد ، و من كان قائما بتلك الشرايط فهو مؤمن ، و هو مظلوم ، و مأذون له في الجهاد بذلك المعنى، و من كان على خلاف ذلك فهو ظالم و ليس من المظلومين ، و ليس بمأذون له في القتال ، و لا بالنهي عن المنكر ، و الأمر بالمعروف ، لأنه ليس من أهل ذلك ، و لا مأذون له في الدعاء الى الله تعالى ، لأنه ليس يجاهد مثله ، و أمر بدعائه الى الله ، و لا يكون مجاهدامن قد أمر المؤمنون (2) بجهاده ، و حضر الجهاد عليه ، و منعه منه ، و لا يكون داعيا الى الله - تعالى - من أمر بدعاء مثله الى التوبة ، و الحق ، و الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ، و لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ، و لا ينهى عن المنكر من قد أمرأن ينهى عنه ، فمن كانت قد تمت فيه شرائط الله - تعالى - التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) و هو مظلوم ، فهو مأذون له في الجهاد ، كمــا أذن لهم (3) في الجهاد ، لأن حكم الله - تعالى - في الأولين و الآخرين ، و فرائضه عليهم سواء الامن علة أو حادث يكون ، و الأولون و الآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء ، و الفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون ، و يحاسبون عما به يحاسبون .

و من لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد ، و ليس بمأذون له فيه حتى يفيء بما شرط الله - تعالى - عليه ، فاذا تكاملت فيه شرائط الله تعالى على المؤمنين و المجاهدين فهو من المأذون لهم في(1) قال المجلسي (ره) : حاصل الجواب انا قد ذكرنا ان جميع ما في ايدي المشركين كان من أموال المسلمين ؛ فجميع المسلمين مظلومون من هذه الجهة المهاجرون ظلموا من هذه الجهة ؛ و من جهة اخراجهم من خصوص مكة .

(2) و في بعض النسخ " أمر المؤمنين " و لعله الاوفق بالسياق لقوله " و منعه منه " .

(3) اي لاصحاب النبي صلى الله عليه و آله .


الجهاد ، فليتق الله - تعالى - عبد ـ و لا يغتر بالأماني التي نهى الله - تعالى - عنها ، من هذه الأحاديث الكاذبة على الله ، التي يكذبها القرآن و يتبرء منها ، و من حملتها و رواتها ، و لا يقدم على الله بشبهة لا يعذر بها ، فانه ليس وراء المعترض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها ، و هي غاية الأعمال في عظم قدرها ، فليحكم امرء لنفسه ، و ليرها كتاب الله - تعالى - و يعرضها عليه ، فانه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه ، فان وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد ، و ان علم تقصيرا فليصلحها و ليقمها على ما فرض الله عليها من الجهاد ، ثم ليقدم بها و هي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها و بين جهادها ، و لسنا نقول لمن أراد الجهاد و هو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عز و جل على المؤمنين و المجاهدين لا تجاهدوا ، و لكن نقول : قد علمناكم ماشرط الله - تعالى - على أهل الجهاد ، الذين بايعهم و اشترى منهم أنفسهم و أموالهم بالجنان ، فليصلح امرء ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ، و ليعرضها على شرائط الله ، فان رأى انه قد وفى بها ، و تكاملت فيه فانه ممن أذن الله - تعالى - له في الجهاد ، و أن أبىأن لا يكون مجاهدا على ما فيه من الاصرار على المعاصي و المحارم ، و الاقدام على الجهاد بالتخبيط و العمى ، و القدوم على الله - عز و جل - بالجهــل و الروايات الكاذبة ، فلقد لعمري جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل ان الله - تعالى - ينصر هـذا الدين بــأقوام لاخلاق لهم ، فليتق الله امرء ، و ليحذر أن يكون منهم ، فقد بين لكم ولا عذر لكــم بعــد البيان في الجهل ، ولا قوة إلا بالله ، و حسبنا الله عليه توكلنا و اليه المصير . (1)(1) المصدر / ص 502 - 505


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس