خوف التقصير [60] [ و الذين يؤتون ما ءاتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ]
دال / و بينما المنافقون يفرحون بقليل ما يصدر عنهم ، تجد هؤلاء في حالة عطاء دائم مصحوب بوجل ، و خوف من التقصيل ، لان المسألة لو كانت متوقفة على رضى الناس عنهم لنالــوه بعطائهم الظاهر ، و لكنهم يبحثون عن رضى الله ، الذي لا ينال الا بالاخلاص ، و انىلهم اليقين بقبول الله لأعمالهم و هو القائل عز و جل :
" انما يتقبل الله من المتقين " .
و يدفعهم خوف التقصير الى المزيد من العطاء ، ذلك ان الشعور بالكمال يمنع مسيرة التقدم ، و الاستمرار في العطاء ، و حينما يسأل رجل الامام الصادق عن سبب خوف هؤلاء ، و وجلهم يجيبه " انهم يخشون ان لا تقبل حسناتهم ، وان لا تغفر سيئاتهم " و ما اكثر الثغرات في الحسنات التي نعملها ، و قد يكون بعضها سبب في عدم قبولها .
فنحن لا نستطيع ان نتأكد من اننا قد فزنا . اذن دعنا لا نقف عند حد في عطائنا و انفاقنا ، ولا نفرح ، لان الفرح من جنود الشيطان .
[61] ان خوف هؤلاء من التقصير يدفعهم نحو العمل ، بل المبادرة اليه .
هاء / [ أولئك يسارعون في الخيرات ]
التسابق بين هؤلاء ليس في الشهرة ، بل في عمل الخير ، و هذه صفة نقيضة لما يعيشه التجمع المنافق ، فبينما يلهي أولئك التكاثر في الاموال و الاولاد ، ترى هؤلاء يتسابقون الى الخيرات .
[ و هم لها سابقون ]
و هذه الآية تحتمل معنيين :
الاول : ان انفسهم مجبولة على الخير ، و العطاء ، و العمل ، و هذه الصفات ليست وليــدة ظرف معين ، بل وليدة صفة راسخة في النفس ، فمع أنهم يتصدقون الآن مثلا ، و لكن أنفسهم قبل هذه الصدقة كانت تحمل هذا المعنى الخير ( مساعدة الضعيف ) .
الثاني : المبادرة فهم دائما يسبقون غيرهم للخير ، اذ يكتشفون مجالات و وسائل جديدة للعمل الرسالي ، و هذا ناتج عن الهم الذي يحملونه لتطوير مسيرتهمو تحركهم ، مما يدفعهم باتجاه البحث عن المجالات و الابعاد الجديدة للتقدم بمسيرة العمل ، أو لمواجهة العقبات و المشاكل التي تعترضه .
ان هؤلاء يسعون دائما لنيل رضى الله ، فيفكرون في أساليب جديدة للعمل و يطبقونها .
[62] [ ولا نكلف نفسا الا وسعها ]
الله هو الذي خلق الانسان ، و هو أعرف بقدرته و طاقته ، فلا يكلفه إلا بقدرها ، و على الانسان أن يسعى في طريق الخير قدر جهده و تمكنه ، فإذا فعل ذلك سقط عنه التكليف ، و الا فما دامت به بقية مقدرة فهو مسؤول .
فما دام الانسان قادرا يجب ان يعمل ، و بقدر الاستطاعة يجب ان يعطي ، و بقدر وسعه يجب ان يسعى ، فلا يقل أحدنا : اني عملت ، و انجزت المهمة الكذائية و كفى ، و انما ينجز مهمة لينتقل الى غيرها ، كما قال الله تعالى :
" فإذا فرغت فانصب " .
فاذا انتهيت من عمل فانصب الــى غيره . و لا يقل أحدنا انه انتهى الواجب فقد قال تعالــى :
" و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين " .
فالعمل واجب حتى الموت .
و نستفيد من الآية الكريمة ان مسؤولية كل انسان حسب قدرته ، فالقوي تختلف مسؤوليته عن الضعيف ، و العالم عن الجاهل ، و المسؤول عن الفرد العادي و .. و .. ولعل الآية تشير أيضا الى الرفق بالنفس في العمل ، فلا يهلكن أحدنا نفسه ، و لايحملها فوق طاقتها ، فقد قال أمير المؤمنين لولده الحسن - عليهما السلام - وقد وجده يجتهد في العبادة :
" يا بني ! ان هذا الدين متين ، فاوغل فيه برفق "و البعد الآخر للآية : الواقعية في الطموحات الرسالية . اذ ينبغي ان تكون اهداف المسلم بقدر طاقاته ، فلا يتكلف مالم يكلفه الرب به .
[ و لدينا كتاب ينطق بالحق ]
فلو ادعى شخص انه تعب ، فان الله يحتج عليه : بأنه اعطاه القدرة التي لم يستغلها كلها حتى يدعي ذلك ، و يحتج عليه بالآخرين الذين يمتلكون مثله من القدرات ، و لكنهم لا يزالون يعطون و يعملون دون تراجع ، و في مقابل هذا التشدد في المسؤولية هناك رحمة الهيةتتمثل في عدل الله ، و فضله .
[ و هم لا يظلمون ]
فالله يجزي الانسان على كل خير . صغيرا كان أو كبيرا ، جزاء مضاعفا . حيث تتحول الحسنة الى عشر امثالها .
|