فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


هكذا نتحدى عقبات الايمان
هدى من الآيات

جاءت سورة ( المؤمنون ) لبث روح الايمان في القلوب ، و لكن القلوب المريضة لا تستقبل هذه الروح ، إذ لابد من شفائها أولا ، في الدرس الماضي قرأنا كيف ان كراهة الحق الناشئة من غمرات الضلالة ، أفرزت الجحود بالرسالة ، و هنا يساعدنا السياق لتجاوز العقبات التي تعترض طريق الايمان ، و بالتالي يحبب الينا ( الحق ) و يطهر القلب من وساوس الشيطان التي تصدنا عنه .

الأول : الخوف على الثروة ، و يقول القرآن : انك لا تسألهم خرجا ، بل الله خير الرازقين ، و انه سوف يبارك لهم في ثرواتهم لو اتبعوا الحق الذي جاء به الرسول .

الثاني : المحافظة على التقاليد ، و يقول الذكر : ان سبيلهم ضال ، و انك - يا رسول الله - تدعوهم الى الصراط المستقيم ، و سبب ضلالتهم أنهم لا يؤمنون بالآخرة ، و في آخر الدرس نقرأ تأكيدا على هذا السبب .


الثالث : لو كانت الرسالة حقا ، لكشف الله بها الضر ، و لكن مقدارا من الضر يحافظ على توازن البشر الذي يطغى لو كشف الله عنه ضره ، و بالرغم من العذاب الذي أخذهم اللـه به تراهم لا يسلمون لربهم ، و لا يتضرعون اليه . حتى ينزل عليهم عذابا شديا ، فإذا بهمفي ورطة و إبلاس .

بعد تطهير القلب من هذه الوساوس ، يذكرنا الرب بنعمه التي لا تحصى . أو ليس قد أنشأ لنا السمع ، و الابصار ، و الأفئدة . أفلا نشكره ؟!

و هو الذي جعل البشر يتناسل في الارض ، و بعد الموت يحشر من جديد ، و بيده الحياة و الموت ، و تدبير الليل و النهار ، افلا يكفي ذلك حجة لو انتفعنا بعقولنا ؟!

كلا .. إنهم يقولون - كما قال آباؤهم الضالون - كيف يبعث الله من يموت و يصبح ترابا و عظاما ؟! انها أساطير الأولين . حيث قد وعدوا كما وعدنا نحن ايضا بذلك !

هكــــذا أصبح إنكارهــــم للبعث سببــــا لجحودهم برسالات الله ، و هكــذا الإنكار - بدوره - نشأ من حالة الجهل ، و استبعاد حياة الانسان من بعد الموت . و كلمة أخيرة : اننا نجد السياق ينتقل من الحديث عن العقبات في طريق الايمان ، و كيفية التغلب عليها، الى الحديث عن آيات الله التي تهدينا اليه ، و هذه هي الطريقة القرآنية في توجيه الانسان الى ربه ، و هي تختلف عن الطرق البشرية ، فالطريقة القرآنية تعتمد على مرتكزات من بينها و أهمها الأسلوب الوجداني ، فالانسان خلق على فطرة الايمان ، و الله هو أجلى و أظهر حقيقة في هذا الكون ، و فطرة الانسان تدعوه الى الله :

" فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " .


و لكن لماذا لا يؤمن البشر ؟

لأن بينهـــم و بين الله حجبا . كحجاب الغفلة ، و حجاب الشهوة ، و حجاب التقليد ، و حجاب الخوف ، أو الرجاء في الامور الدنيوية ، و حجاب الشك في الآخرة . و يجب على الانسان ان يتحدى هذه الحجب بإرادته ، و بتذكير الله - عبر رسله - لكي يصل الى معدن الايمان، و نور الله البهي .

و هذه النظرة القرآنية نجدها موزعة في كتاب الله ، و المتدبر في القرآن يجد هذا الأسلوب في توجيه الانسان الى الله واضحا في آيات الذكر الحكيم ، و الذي اسميه بالاسلوب الوجداني الذي يبدأ بتزكية القلب ، و إجلاء الدرن و الصدأ عنه ، و يكشف عن الحجب ليتصل بنور معرفة الله بصورة مباشرة ، و آنئذ نعرف معنى قول الامام علي (ع) : حين يسأله رجل قائلا : يا أمير المؤمنين او رأيت ربك ؟ قال : " ويحك ! و كيف أعبد ربا لا أراه ؟! " قال السائل : كيف رأيته ؟ قال : " لا تدركه الأبصار بملاحظة العيون ، و إنما تدركه القلوب بحقيقة الايمان " .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس