بينات من الآيات [84] [ قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون ]
ان كنتم تستفيدون من علمكم - و الإستفادة هي معيار الجهل و العلم - فالعلم يعطيه الله لمعظم الناس - و لو بقدر محدود - و لكن متى يكون الانسان عالما فقط ؟ عندما يستفيد من علمه و الا فهو جاهل ، و لو سألتهم من خالقكم و مالككم - و ما تحويه هذه السموات و الارضون - و من بيده الحاكمية العليا ؟
انه الله حيث يقول :
" ان الحكم الا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين " . (1)و الذي عنده القدرة التنفيذية المطلقة في الكون الواسع ، لا يملك الانسان امامه الا التسليم و الخضوع .
[85] [ سيقولون لله قل افلا تذكرون ]
اذن فلمــــاذا يحجــزكم حجاب الغفلة عن هذا الرب العظيم ، الذي يملك الارض و من فيهــا ؟!
و هذه الكلمة لا تختص بالآخرين ، بل بنا جميعا ، لأننا لا نزال نخلد الى أرض(1) سورة الانعام / 57
الغفلة ، و قد نتذكر ما دمنا في أجواء التذكرة ، و لكن عندما تواجهنا شهوة أو يصادفنا غضب اين يصبح ذكر الله ؟!
حينها تلتجئ النفس البشرية في خلق الأعذار و التبريرات لتلقي عن كاهلها نبعة المسؤولية ، و لذلك جعل الله سبحانه ذكره مستحبا شرعا ، و جعل من ذكره - من المؤمنين - حين قال :
" الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم " . (1)ففي جميع الحالات المادية ، و الظروف النفسية ، يجعل الله ذكره ضروريا .
و نسال : ما هو الذكر الذي تعنيه الآيات ؟
ان الذكر هو تذكر الله حين تهم بالمعصية ، أو تشرع في ارتكاب الخطيئة . حينما تجد من يعاتبك داخل وجدانك على ما تفعل ، فلابد ان تذكر الله لتحسم صراع النفس لصالحها ، اما حين تفقد الذكر يموت الوجدان ، و ينتهي الإحساس ، فتميل الكفة لصالح الارادة الشريرةفي نفس الانسان .
[86] [ قل من رب السموات السبع و رب العرش العظيم ]الله رب السموات السبع ، لأنه خلقها ، و اكمل خلقها ، طورا فطورا ، و اجرى الخلق كما الطفل عندما ينمو ، و يكبر ، فهو الذي خلقها ، و هو المسيطر عليها ، و المهيمن الذي يجري عليها سلطانه ، و قوانينه ، و انظمته ، و العرش يعني : السلطة الفعلية على الكون ،و بهذا التساؤل تكمل مسيرة الاستدلال المنطقية على وجود الله مخاطبا بها العقل البشري ، و الفطرة الانسانية .
(1) سورة آل عمران / 191
[87] [ سيقولون لله قل أفلا تتقون ]
يجب ان يخشــى الانسان من بيده السلطة ، فلماذا لا تخلع حجب التحدي و العناد و التكبــر ؟!
و الخشية هي الحجاب الفاصل بين التقوى و الانحراف ، و الايمان و الكفر .
[88] [ قل من بيده ملكوت كل شيء ]
الملكوت مبالغة في الملك ، كما الجبروت مبالغة في التجبر ، و الطاغوت مبالغة في الطغيان ، و ملك الله يشمل ما يظهر و ما يخفى ، لا كسائر الملوك و السلاطين الذين يهيمنون على ظاهر الناس دون باطنهم .
[ و هو يجير و لا يجار عليه إن كنتم تعلمون ]
ان الله قادر ان يمنع الآخرين عنك فيجيرك ، و لكن لا يستطيع احد ان يمنع عذاب الله و انتقامه عنك . لو اراد ذلك ، و هناك فكرة تنقل عن افلاطون و هي : اذا كانت السماء قوسا ، و البلاء سهما ، و الرامي هو الله فاين المفر ؟! و قد نقلت هذه الفكرة الى رسول الله (ص) فنزلت الآية " ففروا الى الله " و فرق بين الفكرة الاولى السلبية ، و الثانية الايجابية التي تدعونا ان لا نقف مكتوفي الأيدي حيـــن نرى البلاء ، بل نلجأ الى الله ، فنفر من الرامي اليه ، و من غضبه الى رحمته ، فنقرأ في الدعاء المأثور : " من أين لي الخير و لا يوجد إلا من عندك ؟! و من أين لي النجاة و لا تستطاع الا بك ؟! لا الذي أحسن استغنى عن عونك و رحمتك ، و لا الذي أساء و اجتــرأ عليك خرج عن قدرتــك " .
[89] انك لو سألتهم عن كل ذلك :
[ سيقولون لله ]
بفطرتهم .
[ قل فأنى تسحرون ]
تخدعون من قبل الآخرين ، و تسلب منكم مشاعركم ، و إرادتكم .
[90] [ بل أتيناهم بالحق و إنهم لكاذبون ]
و الكذب مرحلة خطيرة من الكفر و الجحود ، حيث ينكر البشر الحق لا عن جهل به ، و انما عن وعي بانه الحق .
[91] و من أكبر كذبهم ادعاؤهم بأن لله ولدا أو شريكا ، و القرآن ينفي هذه الكذبة اذ يقول :
[ ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله ]
" من " تفيد الحصر ، و الآية رد على الذين يزعمون بان : الله منح قدرته و سلطانه لبعض الناس دون بعض ، و لو افترضنا ان مع الله آلهة أخرى :
[ إذا لذهب كل إله بما خلق ]
و جعل لخلقه نظاما خاصا به ، و لكنا نجد ان النظام الذي يحكم الذرة هو الذي يحكم المجرة ، و لو صح ما يزعمون لحدث التناقض بين هذه الالهة .
[ و لعلا بعضهم على بعض ]
و ما دمنا نلمس وحدة النظام و الخلق . اذن فالاله واحد لا شريك له ، و نجد فكرة تعدد الآلهة منتشرة في الأساطير اليونانية بكثرة ، و الفكرة العميقة في هذا المقطع من الآية هي : انه لو كانت توجد آلهة غير الله لكان لكل إله قدرة ذاتية ،و لسعى لمد قدرته و سيطرته من أجل الهيمنة على غيره ، و لاستحالت الحياة ، و لأدى ذلك الى فساد الكون .
" لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا " .
[ سبحان الله عما يصفون ]
و هو انزه و اقدس مما يصفه هؤلاء .
[92] [ عالم الغيب و الشهادة فتعالى عما يشركون ]
و لو كان ثمة آلهة غيره لكان أدرى بها ، لانه ذو العلم بما غاب و ما حضر .
[93] [ قل رب إما تريني ما يوعدون ]
حيث وعد الكفار و المشركين بالهزيمة و الدمار .
[94] [ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ]
فالبلاء اذا نزل عم ، و لا سبيل للتخلص من عذاب الله النازل على الظالمين و المشركين ، الا الانفصال عنهم ، و نكران أعمالهم . لا السكوت عنها لان الله يقول :
" و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " .
[95] [ و إنا على ان نريك ما نعدهم ]
من العذاب و الانتقام .
[ لقادرون ]
[96] و لكي تتخلص من العذاب ، و لا تشرك مع الظالمين ، يجب ان تواجه انحرافهم بالاستقامة على الحق ، و ذنوبهم بالطاعة لله . و لعل الآية تعتبر صورة جلية للتحدي ، و آية واضحة لعزة الله و قدرته ، و عزة المؤمنين به ، و قدرتهم في مواجهة أعداء الدين .
[ ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون ]
صحيح ان الله قادر على دفع عادية الكفار ، و صحيح انه يفعل ذلك متى ما اقتضت حكمته البالغة ، و لكن ينبغي الا يسبب ذلك في إساءة خلق المؤمنين ، و تجبرهم في الارض ، بل لابد ان يتمتعوا بأخلاقية سامية في التعامل مع الآخرين ، و الصبر على أذاهم و تحمل الصعاب الشخصية دون تبليغ الدعوة .
[97] [ و قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ]
و الهمزات هي الدفعات ، التي يقوم بها الشيطان لتضليل الناس و اغوائهم ، و ليس ضروريا ان يكون الشيطان ذلك الموجود الخفي الذي نتصوره ، بل قد يتجسد في صورة شهوة عارضة ، أو انسان منحرف يحاول التأثير عليك سلبيا .
[98] [ و أعوذ بك رب أن يحضرون ]
يجب علــى المؤمن ان يفر من مجالس الشياطين - الانس ، و الجن - كمجالس المعصية ، و الحديث على الناس .
[99] ان الانسان الذي لا يستعيذ بالله من الشيطان في الدنيا ، و لا يتقي الله . يدركه الندم حين لا ينفع الندم ، لذلك بعد ان حذر الله من الشيطان يتعرض لحال الانسان المنحرف حين الموت قائلا :
[ حتى أذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ]
بصيغة الجمع تعظيما لله لعله يعبده مرة اخرى لكي يبني له مستقبلا جديدا بما يملك من طاقات .
[100] [ لعلي أعمل صالحا فيما تركت ]
و لكن يا للحسرة و الندامة ، إذ يأتيه الجواب :
[ كلا إنها كلمة هو قائلها ]
و لـــو اعيد لما تغير ، و كان حري به ان ينتفع برسالة الله ، و بفرصة الدنيا لينقذ نفســه .
[ و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ]
|