فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[16] [ و لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا ]

كموقف ثابت للمؤمنين ، يوجب الله عليهم ان لا يتناقلوا الشائعات ، أو يساعدوا على انتشارها بين صفوف المجتمع ، و ان لا يصدقوا اي كلام دونما تثبت ، و من دون توفر الاثباتات و الشواهد الكافية ، و قوله تعالى : " ولو لا اذ سمعتموه " يعني : فهلا انكم حين تسمعون كلاما فيه طعن و اتهام للآخرين تواجهونه بالصمت ؟

ثم يبين القرآن ضرورة تقييم الشائعات تقييما نابعا من العقل لا الهوى .

[ سبحانك هذا بهتان عظيم ]

ليس بسيطا ان ينسب الانسان للآخرين تهمة الإفك ، فهذا بهتان مالم يقم عليه دليل ، بلـى . ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، و كذلك القذف متهم حتى تثبت صحته .

و نتوقف قليلا عند كلمة " سبحانك " فاننا لا ننطقها الا حينما نرى شيئا كبيرا يبهرنا ، فلاننا نخشى الخضوع لشيء من دون الله ، يسلبنا فكرنا و استقلالنا و ارادتنا نقول : سبحان الله ، لكي نقاوم حالة الانبهار التي قد تؤدي الى الشرك الخفي ، فاللههو المنزه و هو الكبير .. الخ ، لا ما نراه او من نراه انى بدى عظيما في أعيننا ، فلماذا التسبيح هنا ؟


الواقع ان الآية الكريمة تشير الى ضرورة التوجه الى الله في حالة الخوف من التأثر بالاعلام المضاد ، لان النفس نزاعة الى تصديق كل كلام يشيع في المجتمع ، خصوصا اذا صدر من الكبار في العمر أو في الرتب الاجتماعية ، و علينــا ان نقاوم هذه النزعة بذكر الله، ذلك ان ذكر الله يزيد من مناعة المؤمن عن التأثر بالضغوط ، و الانبهار بالآخرين ، و الخضوع للتضليل ، أو بالتالي يعيد الانسان الى عقله ، و يعطيه فرصة للتفكر المنهجي ، وهو بالتالي يعطي الانسان استقلالا و قوة و اطمئنانا ، كما المرساة التي تبقي على استقرار السفينة بين يدي الموج .

[17] [ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ]اي لا تعودوا تتأثروا بالاعلام ان كنتم مؤمنين حقا ، و كأنه يخاطب الجميع مع ان الذي جاء بالإفك مجموعة صغيرة منهم ، و هذا ما يدل عليه قوله تعالى : " ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " و ذلك ليشعر المجتمع المؤمن بأكمله انه المسؤول ، لانه سمحلهذه العصبة ، بالانتشار في وسطه و لم يردها من حيث أتت .

[18] [ و يبين الله لكم الايات و الله عليم حكيم ]

انه يعلم بمصالحكم ، فيرشدكم لما فيه سعادتكم بحكمته البالغة .

[19] و يبين السياق جزاء من ينشر الشائعات في المجتمع ، و هم عادة من ذوي النفوس المـــريضة ، كما تؤكد هذا البحوث العلمية الحديثة ، ذلك ان المبتلين بالعقد الجنسية ، هم الذين يسعون لبث الشائعات المختلفة عنها ، فلانهم يعانون من الاحباط الجنسي مثلا يثيرون الشائعات لينتقموا من المجتمع ، و كأنه المتسبب في احباط هذه الغريزة في ذواتهم ، او لا اقل يتسلون بهذه الكلمات ليعوضوا بها عما فقدوه ، و عما يشعرون به من عقدة الجنس ، قال تعالى :


[ إن الذيــن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الأخــرة ]ان للفاحشة هيبة تنبعث من الحياء و الشرف البشري ، جبل عليها ضمير الانسان و عندما تشيع الفاحشة في المجتمع تسقط هيبتها من أعين الناس ، فيتورطون فيها ، بل لا يتورعون عن ممارستها باستمرار .

و اشاعة الفاحشة تتحقق بمجرد نقل الانسان ما يسمعه من كلام خبيث الى الآخرين ، و هذا ما يحطم جدار الشرف و الحياء لدى ابناء المجتمع ، فلا هو يدعو الانسان المريض القلب للعمل الصالح ، و لا هو ينصح الناس لما فيه خيرهم ، بل يبحث عن الشائعة الباطلة لينشرها، و عن الفكرة الخبيثة الميتة ليحييها و يذيعها ، لانه من أهل الفاحشة و ان أنكرها بلسانه أو تظاهر بكراهته لها ، فلو بحثت عميقا في نفسه لوجدته يعبر بكلامه عن واقعه ، لا عن واقع الآخرين ، و يبدو ان التعبير القرآني بـ " يحبون ان تشيع الفاحشة "يدل على انعطاف نفسي عند هذا الفريق نحو اشاعة الفاحشة ، أما بسبب كراهية المجتمع ، او كراهية الفريق المتهم منه ، أو لانهم يرتكبون فعلا الفاحشة ، و يريدون ان تنتشر بين الناس جميعا حتى يرتاحوا من لوم الناس و وخز الضمير .

وعلى الانسان ان يقاوم هذا الحب في نفسه ، و لا يفيض في نقل التهم بدافع هذا الحب الشيطاني .

ثم يختم القرآن حديثه الصادق بان الله عليم بالحقائق .

[ و الله يعلم و أنتم لا تعلمون ]

فانتم لا تعلمون طبيعة الناس ، و الدوافع التي تدعوهم الى خلق الإفتراءات ضدهذا و ذاك ، فلا يجوز ان تثقوا باي فرد ، بل عليكم التثبت عما اذا كان نقيا عن حب اشاعة الفاحشة .

[20] [ ولولا فضل الله عليكم و رحمته ]

بان بعث لكم رسولا و وفر لكم فرصة الهداية - لولا ذلك - لما زكى أحد منكم ، اي تخلص من ورطة اتهام الآخرين بالزور و البهتان .

و يبدو ان المراد من الفضل هو الهدى ( القرآن و الرسالة ) و من الرحمة النعم المــادية ( الامن و السلامة و كل ما يمنع الانسان من التورط في الجرائم المختلفة ) .

فلو لم تتوفر للانسان وسائل الهداية من جهة ، و الوسائل المادية كالحياة الاسرية الفاضلة ، و المكسب الحلال ، و ما الى ذلك من النعم من جهة أخرى ، لما تخلص من التورط في الجرائم .

[ و أن الله رؤوف رحيم ]

ويبدو ان جواب لولا ما يشار اليه في الآيات التالية من قوله تعالى : " ما زكى منكم من أحد أبدا " .

[21] الشيطان سواء الجني الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم ، او الانسي الذي تملأ أبواقه و شبكاته حياتنا اليوم ، انه لا يدعونا الى الفواحش الظاهرة مرة واحدة ، و انما يستدرجنا اليها خطوة فخطوة ، و علينا الحذر من اتباعه في الخطوات الاولى حتى لا يطمع فيناأكثر فأكثر .

[ يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ]

و مادام الله وفر للانسان فضله و رحمته فلماذا يتبع الشيطان ؟!


ان الذي يتبع خطوات الشيطان لا يحقق سعادة الناس و هدايتهم ، فكثير اولئك الذين حدثوا أنفسهم بالوصول الى الحكم ، و من ثم العدل و الحرية للمستضعفين ، و لكنهم تورطوا في جرائم الإرهاب و الذبح و إشاعة الفاحشة ، فما أفلحوا بل أصبحوا أفسد ممن سبقهم ، فقد خدع الشيطان من أنتموا الى حزب البعث في العراق بذلك ، و لكنهم بعدما وصلوا الى الحكم دمروا العراق و اصبحوا لعنة على الشعب .

ان السلطة التي تبنى على أساس الكذب و الافتراء ، لا و لن تكون في سبيل الله و المستضعفين لذا يقول القرآن :

[ و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر ]فلا يفكر الانسان أنه سينصحه يوما ، و لعل المقصود من " لا تتبعوا خطوات الشيطان " و سائله و سبله ، فالغاية لا تبرر الوسيلة ، بل تحدد الغاية الوسيلة المناسبة لها .

[ و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ]" لولا " حرف امتناع لامتناع ، و هي اداة شرط في هذا المقطع من الآية الكريمة " و فضل " مصدر ناب عن فعل الشرط ، اما جواب الشرط فقوله تعالى : " ما زكى " .

و لعل هذا الجواب هو نفسه جواب لولا في الآية السابقة " و لولا فضل الله عليكم و رحمته و ان الله رؤوف رحيم " و الآية تشير الى مدى صعوبة التخلص من شبكات الشيطان ، وعلينا اذا الا نرتاح الى ظل الغرور ، و نغفل عن خطر الاستدراج بل نتوكل على الله، و نكون دائمي الحذر ، شديدي اليقظة .

[ و لكن الله يزكي من يشاء ]


وذلك عن طريق الرسل و الهداية و التوفيق ، و بما يوفر لهم من نعم ، تغنيهم عن تمنيات الشيطان .

[ و الله سميع عليم ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس