الشهادة [24] [ يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون ]
كل عضو من الاعضاء يشهد على الانسان يوم القيامة ، وفي مقدمة من يشهد على الذين يرمون المحصنات ، السنتهم التي ستنطق بفضحهم دون ارادتهم ، ثم ايديهم و هي التي يشيرون بها الى مواضع التهمة ( فعادة ما يستخدم المتحدث لسانه و يده للتعبير عن مقاصده ) ، ثم ارجلهم الساعية بالتهمة لتوزيعها على اكبر رقعة اجتماعية ممكنة ، كما المشاء بنميم ، ليفسد ما بين الناس و يقوض صرح العلاقاتالاجتماعية ، و قد وقف قدامى المفسرين على هذه الآية مستغربين ، ليس من شهادة اللسان - فذلك أمر طبيعي - و انما من شهادة الارجل و الايدي .
فقال بعضهم : ان الله يخلق ألسنة في كل جارحة تنطق بما عمله الانسان ، و قال البعض الآخر : ان الله هو الذي ينطق عن الجوارح كما كلم موسى تكليما ، و لكننا اليوم و مع وجود الاجهزة الالكترونية المتطورة ، لا نحتاج الى مزيد من التفكير ، لنعرف كيف تشهد الايدي و الارجل ، فقد اثبت العلم الحديث بالتجربة العملية ، ان اي كلام أو تصرف يصدر من الانسان ، ترتسم آثاره على الاشياء الموجودة حوله ، كالجدار و السقف و الهواء .... الخ .
إذا شعر الانسان بالرقابة الالهية عليه ، و نمى لديه الوازع الديني ، فانه لن يرتكب معصية عن علم .
[25] [ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ]
عندما تنكشف لهم الحقيقة ، و يتضح بطلان ما يدعون ، و يعلمون بان الله كان يحصي عليهم كل شيء حتى مشاعرهم ، و نوايا قلوبهم ، ثم يعطي جزاء كل ذلك ذرة بذرة جزاء وفاقا . و دين الانسان هو ما يلتزم به ، فان التزم بالاسلام اعاده الله له يوم القيامة ، و كذلكلو التزم بالجريمة فانها تأتي له تسعى يوم الحساب فيجازى عليها .
[ و يعلمون ان الله هو الحق المبين ]
لأنه أنصح الحقائق و أوضحها ، اذ تتجلى هذه الحقيقة لفطرة الانسان السليمة بكل سهولة و يسر ، دونما حاجة للبحوث الفلسفية او البراهين المعقدة ، و لكن الناس باعمالهم الخاطئة ، يسدلون على قلوبهم أستار الغفلة ، فيجهلون ربهم و اسماءهالحسنى ، عن ارادة لا جبر ، و عندما تزاح عنهم هذه الاستار في يوم القيامة ، تتجلى لهم الحقيقة العظمى ( الله ) كمن يهتدي الى حقيقة لاول مرة .
[26] [ الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة و رزق كريم ]تعددت وجهات النظر في هذه الآية من قبل المفسرين ، فقال قسم : ان هذه الآية تشير الى ان الاقـوال و الافعال الخبيثة للخبثاء ، و على العكس بالنسبة للاقوال و الافعال الطيبة ، و قال قسم آخر : ان الخبيثات من النساء للرجال الخبيثين ، و على العكس بالنسبةللنساء الطيبات .
و لكن يبدو ان الآية تؤكد حقيقة اجتماعية مبدئية هي : ان الانسان لا يمكنه تسجيل إسمه في قائمة المجرمين ثم يعيش مع الصالحين ، بل لابد ان تنتهي الحياة به الى من سجل إسمه في قائمتهم عمليا .
اما في شطرها الثاني ، فانها تؤكد قدرة المجتمع الفاضل على بناء كيان مستقل ، بعيدا عن الالسنة البذيئة ، و الافتراءات الكاذبة ، و هذا ما يمهد له الحصول على غفران الله و رزقه الكريم .
|