فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


حرمة البيت
[27] [ يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ]تطرح لنا هذه الآية و ما يليها مجموعة تعاليم تتصل بحرمة البيت ، حيث ينبغي ان يحس المرء بالامن داخل منزله ، حيث يضع ثيابه و يتخلص من العادات الاجتماعية المرهقة ، و يستريح الى طبيعته ، و يتنفس عن مشاعره المكبوتة ، و حيثزوجته التي يجب ان يخلو بها ، و يبث اليها اسراره و عواطفه ، و لعله يريد ان يقضي منها وطرا . فقبل ان تطا قدماك بيتا غير بيتك ، لابد ان تراعي آداب الدخول و التي منها : الاستيناس و اعطاء اشارة لقصد الدخول أولا ، و في التعبير القرآني روعة و لطف ، فالاستيناس المتخذ من لفظة ( الانس ) يوحي بضرورة رعاية الجوانب العاطفية فلا كلمات نابية ، أو صياح عال أن طرق شديد للباب ، بل رقة و محبة و تلطف و تودد . و جاء في الاثر ان " الاستيناس هو وقع النعل و التسليم " (1) و عن ابي ايوب الانصاري قال : قلنا يا رسول الله ما الاستيناس ؟ قال : يتكلم الرجل بالتسبيحة و التحميدة و التكبيرة يتنحنح على أهل البيت (2) و التسليم ثانيا اشعارا بحسن النية و سلامة القصد . و ليس هذا النظام شاذا عن الفطرة البشرية ، بل متوافقا معها ، و هكذا سائر الاحكام و الاداب في الاسلام تتوافق مع فطرة البشر و عقله ، و هذا ما تشير له الآية التي تحث الانسان على التذكرة فكثير من الحقائق ، معروفة لدى الناس ، و لكنهم نسوها فاحتاجوا الى التفكير ليتذكروها .

[28] [ فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ]ان لم يكن في البيت من يملك صلاحية الاذن بالدخول ، او وجد من يملكها ، و لكنه لم يعط اذنا بذلك فليرجع ، ففي ذلك زكاة للمجتمع ، اي نمو للاخلاقيات و العلاقـــات الطيبة فيه ، و لقد شددت النصوص الاسلامية على الاستيذان و آدابه قبل دخول البيوت .

فهذا الرجل يستأذن على رسول الله (ص) بالتنحنح ، فيقول الرسول لامرأة يقال لها روضة : قومي الى هذا فعلميه و قولي له قل : السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها(1) نور الثقلين / ج 3 - ص 585

(2) المصدر


الرجل فقالها فقال : ادخل . (1)

و يسأله رجل عما اذا كان من الضروري الاستيذان على الام و يقول : انها ليس لها خادم غيري أفاستأذن عليها كلما دخلت ؟ قال : أتحب أن تراها عريــانــة ؟ قال الرجل لا .. قال : فاستأذن عليها . (2)و هكذا كانت سيرة النبي (ص) فقد روى جابر بن عبد الله الانصاري قال : " خرج رسول الله يريد فاطمة عليها السلام ، و انا معه ، فلما انتهيت الى الباب وضع يده فدفعه ثم قال : الســلام عليكم فقالت فاطمة عليها السلام : عليك السلام يا رسول الله ، قال : أدخل ؟ قالت ادخل يا رسول الله ، قال أدخل و من معي ؟ قالت يا رسول الله ليس علي قناع ، فقال يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ، ففعلت ثم قال : السلام عليكم فقالت و عليك السلام يا رسول الله قال أدخل قالت نعم يا رسول الله قال انا و من معي ؟ قالت و منمعك " . (3)

بهذه الرقة و التودد ، أدبنا الاسلام .

و يحسن بنا الانتباه الى نهاية الآيات ، فعادة ما تكون نهايتها مفاتيحها ، كما تكون الآيات الاخيرة في السورة مفاتيح لها ، و هنا يقول تعالى :

[ و الله بما تعملون عليم ]

بعد ان يطرح مجموعة من القوانين و الانظمة لماذا ؟ الجواب :


(1) المصدر / ص 586

(2) المصدر

(3) المصدر / ص 587


لعله لان للانســان قدرة التفاف هائلة على القانون ، و تحويله الى قشرة دون اي محتوى ، و لكي يحذر الله سبحانه الناس ، من الالتفاف حول النظام الاسلامي يحثهم على الالتزام به بدقة و اخلاص ، و يذكرهم بأنه يعلم حقيقة أعمالهم ، فلا مناص لهم من النصح في تطبيق الاحكام ، فقد يخادع الانسان اصحاب البيت فيوهمهم حين دخوله انه يقصد هدفا شريفا ، و واقعه خلاف ذلك ، و لكنه لا يستطيع ان يخدع الله لانه عليم بما يعمل الناس .

و دخول كهذا ، هو كما لو دخل بدون إذن لا فرق إذ لو علم اصحاب البيت بقصده السيء لما أذنوا له بالدخول .

و كثيرا ما يمتهن بعض المجرمين المهن التي تساعدهم على دخول البيوت ، بحجة القيام بخدمات معينة كاصلاح الكهرباء و الهاتف أو تركيب الستائر و الاثاث ، فيجدون بذلك فرصة سانحة للاطلاع على اعراض الناس ، و التجسس على المؤمنين ، و لا يعلمون انهم بذلك قد ارتكبوا جريمتين :

الاولى : جريمة الدخول بدون إذن ، لأن هدفه سيء .

الثاني : جريمة الافساد في الارض .

و لئن أفلت هؤلاء من علم أهل البيت أو السلطات الشرعية ، فلن يفلتوا من علم الله .

[29] [ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ]لانها وضعت لمنفعة عامة ، كالفنادق ، و الحمامات العامة ، أو المحال التجارية ، و مكاتب الخدمات المختلفة ، و ما الى ذلك ، و لكن لا يجوز الدخول فيهالغير الهدف المحدد ، وان جاز الدخول فيها بدو إذن .

[ و الله يعلم ما تبدون و ما تكتمون ]

من النوايا و الاهداف ، و هذه دعوة لتنمية الوازع الديني في ضمير الانسان ، انطلاقا من تحسيسه بالرقابة الالهية عليه .

فاولئك الذين يدخلون المحال التجارية مثلا لا ليشتروا مما يعرض فيها ، بل لكي يستريحوا من تعب المشيء و زحام السوق ، أو ليستفيدوا من تكييف المحل في صيف حار أو شتاء بارد ، أو يدخلوا في دائرة ما ، لا لكي ينجزوا معاملة لهم فيها ، و انما ليتحدثوا في شؤونخاصة مع زملائهم العاملين فيها .. و ما الى ذلك من الحالات الاخرى . ليعلم هؤلاء ان الاسلام لا يجوز لهم ذلك لما فيه من مضار اجتماعية ، قد لا يظهر أثرها الا مع مرور الزمن ، كما انها تناقض الاخلاق الفاضلة ، و السجايا العالية ، و لو وضع هؤلاء أنفسهم موضع أهل هذه المحلات و البيوت ، لما رضوا من غيرهم هذه الاعمال المخالفة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس