فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الحدود الشرعية للحجاب
[ و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن ]

يبين هذا المقطع من الآية الحجاب الشرعي الذي يجب أن تأخذ به المرأة المسلمة . و هو كما فسره بعض الفقهاء ، و جاء في الاحاديث ان تستر المراة كامل بدنها وجوبا عدا الوجه ، و الكفين و القدمين و كحل العين و الحناء و لبس الخاتم ، فان اظهارها جائز ، ثم ان على المرأة ان تلبس خمارا يستر الصدر و العنق .

جــاء في الحديث عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام : و قد سأله بعض اصحابه ، قال : قلت له : ما للرجل ان يرى من المرأة اذا لم تكن له بمحرم ؟ قال : " الوجه و الكفين و القدمين " . (1)(1) المصدر / ص 589


و لقد كانت المرأة في الجاهلية تختمر ، الا انها تبدي زينتها للرجال ، حيث تجعل خمارها خلف اذنها ، لتبدو اقراطها و كانت تحسر عن نحرها و بعض من صدرها ، وتكشف بالتالي عن مفاتنها ، فجاءت الآية تأمر نساء المؤمنين بشد الخمار ، بحيث لا يبدو شعرهن و لا اذانهن و لا نحورهن و صدورهن ، و قد جاء في رواية مأثورة عن الامام ابي جعفر الباقر عليه السلام .. ان سبب نزول هذه الآية كالتالي :

استقبل شاب من الانصار امرأة بالمدينة ، و كان النساء يتقنعن خلف اذانهن ، فنظر اليهـــا و هي مقبلة ، فلما جازت نظر اليها و دخل في زقاق قد سماه - يعني فلان - فجعل ينظر خلفها ، و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فــاذاالدماء تسيل على ثوبه و صدره ، فقال و الله لآتين رسول الله ، و لأخبرنه ، قال : فأتاه فلما رآه رسول الله فان له : ما هذا ؟ فاخبره ، فهبط جبرئيل بهذه الآية : " قل للمؤمنيــن يغضوا من ابصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان الله خبير بما يصنعون " . (1)

اما الزينة الظاهرة : فلا يجب سترها ، و جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (ع) : " انها الكحل و الخاتم " . (2)[ و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن او إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن ]و يستوحى من هذه الآية انه لا يجوز اظهار المفاتن لغير النساء المؤمنات ، وقد(1) المصدر / ص 588

(2) المصدر / ص 592


جاء في الحديث الشريف عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام :

" لا ينبغــي للمرأة ان تنكشف بين يدي اليهودية و النصرانية فانهن يصفن ذلك لأزواجهن " . (1)[ او ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ]و هم البلة ، و المجانين و المصابين بموت الغريزة الجنسية كالشيوخ الطاعنين في السن و غيرهم ، ممن فقدوا الشهوة الجنسية ، اما ما يدعيه البعض من جواز اظهار المرأة زينتها للخادم و الحارس ، سواء في البيت أو المدرسة أو الدائرة خطأ كبير يخالف التعاليم القرآنية . اذن فلا يجوز للمرأة ان تظهر زينتها الا لمن ذكرته الآية آنفا .

[ أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ]

فاذا بلغ الطفل مبلغ الرجال أو صار مميزا في هذا الجانب ، حرم على النساء اظهار زينتهن امامه .

[ و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ]

فتستثير شهوة الرجل الجنسية ، لذلك لا ينبغي للمرأة الخروج بعطر فواح بين الرجال الاجانب ، مما يدل على ان الاسلام يلتفت للجوهر لا للقشور . اذ يفرض على المرأة الحجاب الباطني ايضا .

من هنا حرم بعض الفقهاء الاستماع لصوت المرأة الاجنبية ، أو ان تخضع المرأة في حديثها فان ذلك مما يستثير الرجل ، و لعله من مضامين الآية أن تلبس المرأة حذاء(1) المصدر / ص 593


او نعلا ، يفتعل صوتا عند مشيها ، مما يلفت الانتباه لها ، بينما لولاه لم يعلم بها أحد او يلتفت اليها و هي تمر .

[ و توبوا الى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ]فلم يخلق الانسان معصوما ، اذن لا غرابة ان يسقط سقطات عصيان ، و لكن الغريب هو ان لا يعالجها بالتوبة . و لقد كان الرسول (ص) يستغفر ربه كل يوم مئة مرة .

[32] و حــرض الاسلام على الزواج ليكون القناة النظيفة لأقوى غريزة عند البشر ، فقال سبحانه :

[ و انكحوا الأيمى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم ]لانهم بشر يمتلكون نفس الغرائز و لديهم نفس الحاجات ، و الايم مفرد ايامى و هي كلمة تطلق على غير المتزوج ، مرأة كان أو رجلا ، اما توفير الوسائل و التسهيلات اللازمة للزوج فهي مسؤولية اجتماعية كسائر المسؤوليات الأخرى .

و هذه الآية تشمل الشاب الاعزب رقا كان أم حرا ، اذ يجب على المجتمع تزويجهم جميعا .

و لأن اكبر العقبات النفسية اما الزواج هي خشية العيلة ، فان ربنا سبحانه يزيح هذه العقبة بقوله :

[ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم ]فقدرته واسعة ، و فضله واسع ، و علمه محيط بكل شيء فلا يعجزه شيء ، واذا تدبرنا في هذه الآية ، و من خلالها في سنن الله في الحياة ، عرفنا ان عجلة الحياة لمتكن لتدور من دون الزواج ، الذي هو أبرز مظاهر التعاون عند الجنس البشري أوليست الحاجة أم الاختراع ، أوليس الاحساس بالمسؤولية صاعق القوى الكامنة عند الانسان ؟! ان رزق الله كامن في الارض ، و قدرات الانسان كامنة في نفسه ، انما تتفجر تلك القدرات فتستخرج رزقالله بالامل و الحاجة و السعي .

و من هنا جاء في رواية مأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله :

" من ترك التزويج مخافة العيلة فقد اساء ظنــه بالله عز و جل ، ان الله عز وجل يقول : ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " . (1)بل ان النبي كان يوصي الفقراء بالزواج لكي يوسع الله عليهم .

يروى الامام الصادق (ع) انه أتى رسول الله شاب من الانصار ، فشكى اليه الحاجة ، فقال له: " تزوج " فقال الشاب : اني لأستحي ان اعود الى رسول الله ، فلحقه رجل من الانصار فقال: ان لي بنتا وسيمة ، فزوجها اياه ، فقال : فوسع عليه ، فأتى الشاب النبي فاخبره ، فقال رسول الله : يا معشر الشباب عليكم بالباه ( اي بالنكاح ) . (2)ولقد بلغ من تحريض الاسلام على الزواج : ان يقـــول الامام الصادق عليه السلام :

" ركعتان يصليهما المتزوج افضل من سبعين ركعة يصليهما الاعزب " . (3)و يروى عن رسول الله قوله :


(1) المصدر / ص 595

(2) المصدر / ص 596

(3) المصدر


" من تزوج احرز نصف دينه " . (1)

وقال :

" رذال موتاكم العزاب " . (2)

[33] عندما لا يوفق الانسان للزواج ، أو يكون عاجزا عن ذلك فعليه ان يتعفف ، و يتحصن بالايمان ، لا ان يفسد في الارض أو يكون سببا لانتشار الفاحشة في المجتمع .

[ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ]قال الرسول (ص) :

" من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، و من لم يستطع فعليه بالصوم ، فان الصوم له وجاء " .

و بمناسبة الحديث عن مسؤولية الزواج ، أخذ السياق يعالج مشكلة اجتماعية كانت حادة ذات يوم ، هي مشكلة الرقيق ، حيث كان الذكور منهم يبقون بلا زواج ، و يعيشون عناء العــزوبة ، و يشكلون بؤرة الفساد ، فأمر الله بمكاتبتهم ، ليتحرروا ، و لينكحوا مثل غيرهم .


[ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ]المكاتبة هي إن يأتي العبد الى سيده ليشتري نفسه منه بمقدار مقسط من المال ،(1) و (2) المصدر


و ينبغي لكل من يملك عبدا ان يطرح عليه هذا المشروع ، فان تجاوب معه ، و استطاع كان حرا ، و هذه ما تسمى بالمكاتبة المشروطة ، و هناك مكاتبة اخرى تسمى بالمطلقة : يدفع فيها العبد حسب استطاعته المبلغ الذي يفك رقبته به .

[ و ءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم ]

من سهم " و في الرقاب " الذين هم أحد مستحقي الزكاة . و في الاحاديث يضع عنهم المولى الخمس او الربع .

أمـــا الاماء فكن في الجاهلية يتاجر بأجسادهن ، و جاء النهي الصريح عن ذلك .

[ و لا تكــــرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ]و لهذه الآية تفسيران ظاهر و باطن ، أما الظاهر فهو ان عبد الله بن أبي كان يجبر فتياته على الزنا ، ليكسب مالا من وراء بغائهن ، فاشتكين امره لدى الرسول (ص) فنزلت الآية الكريمة " و لا تكرهوا .. " ، و لهذا فانه لا يجوز ان يفسح المجتمع لمثل هؤلاء ان يمارسوا ابشع انواع التجارة و هي ( التجارة باجساد النساء ) .

[ و من يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ]

ان المجتمع الفاسد ، و الاقتصاد المنحرف ، و بالتالي الفقر المدقع ، كانت عوامل ألجأت النساء الشريفات بفطرتهن لممارسة الانحراف ، و امتهان البغاء ، و لذلك فان الله يقبل توبتهن اليه . جاء في الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة :

" كانت العرب و قريش يشترون الاماء ، و يضعون عليهم الضريبة الثقيلةو يقولون : اذهبوا و ازنوا و اكتسبوا ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك " . (1)و لعل الآية تشير ايضا الى ضرورة رفع العقبات الاجتماعية التي تكره الفتيات على البغاء ، مثل غلاء المهور ، و وضع شروط للتزويج - ما أنزل الله بها من سلطان - و لقد واجه الاسلام هذه العقبات بقوة ، فقد جاء في السيرة : ان رسول الله صلى الله عليه و آله زوجالمقداد بن الاسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، و انما زوجه لتتضع المناكح ، و ليتأسوا برسول الله ، و ليعلموا ان اكرمهم عند الله اتقاهم . (2)و شجع الاسلام على المساعدة في أمر الزواج لتسهيل أمر هذا المشروع الحضاري ، فقد جاء في الحديث المأثور عن الامام الباقر عليه السلام :

" ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة ، يوم لا ظل إلا ظله ، رجل زوج أخاه المسلم أو أخدمه ، أو كتم له سرا " . (3)(1) المصدر / ص 602

(2) المصدر / ص 597

(3) المصدر / ص 599


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس