بيوت أذن الله ان ترفع
هدى من الآيات ان النور الذي يتجلى في الطبيعة هو النور الذي يشع في قلب البشر ، لان الينبوع واحــد ، و هو الله الذي يمسك السماء و الارض بيد من القدرة ، و لولا هيمنته تعالى لما استقر حجر على حجر ، و لولا فيض رحمته لم يبق شيء من الوجود ، فهو ليس قائما بذاته و انمابما يمده به الله من نور البقاء .
و كمثل على ذلك - و تعالى الله عن الامثال - لو توقف المصباح عن اشعاع النور لحل الظلام على الفور، و لا يعني ذلك ان خلق الله للاشياء هو كما يفيض النور من المصباح ، كلا .. و انما بالارادة التي لا تحتاج الى زمان ، أو شيء من المعاناة ، انما هي لحظة الارادة المخلوقة و نفحة الرحمة المعطاة .
وما الاسلام الا حكمة قائمة على أساس هذه الفكرة : " و أشرقت الارض بنور ربها " و لعلنا نسميها ببصائر النور ، و لا مجال للحديث عن أبعادها الاسلامية العميقة ، و انما بينا ذلك ، لكي نعرف الجانب الآخر و هو : ان النور في القلبو المجتمع هو نفس النور في حياة الانسان التشريعية - و هو نفس النور في الحياة التكوينية ، فلو أمسك الله تعالى فيض نوره عن السماوات و الارض لانعدمتا في اقل من لحظة ، كذلك لو أمسك فيض نور رسالته عن البشر في حياتهم التشريعية و الاجتماعية لساد الظلم و الظلام .
لذا فان نور الله في التشريع كمصباح في مشكاة ( و المشكاة حفرة شق في الجدار يضعون المصباح فيها بعد ان يحيطوه بزجاجة تزيد من اضاءته ) و وظيفة المشكاة هي العمل على تركيز النور ، و افضل الزيوت التي كانت تستخدم للاضائة في ذلك الوقت هو زيت الزيتون الذي يزرع فوق الجبال، فلا يظلها يسار الجبل عن الشمس حين الشروق ، و لا يمينه حين الغروب ، فهي لا شرقية و لا غربية ، و كلما كان الزيت اصفى كان ضوؤه ابهى .. و كم تكون الاضاءة نيرة حينما يكون وقودها زيت الزيتون ، و يكون المصباح في مشكاة عبر زجاجة ؟!
كذلك نور الله الذي يهبط وحيا فيستقر في قلب الرسول (ص) الزكي ، الطاهر كما المصبـاح يشع نورا من زيت نقي ، و رسول الله يحيط هذا المصباح بزجاجة السنة الشريفة ، ليضع الجميع في اطار أهل بيته الطاهرين - عليهم الصلاة و السلام - الذين هم اشبه شيء بمشكاة نظيفة تحفظ النور و تنميه نورا على نور .
ان بيوتهم التي أذن الله ان ترفع ، كانت مشكاة للرسالة لانها ضمت ذكر الله ، المنبعث من قلوب اولياء الله ، المتقد بوقود مبارك هو الصلاة و الزكاة و خشية المنقلب ، و هذا البيت هو المثل الاعلى للاسرة المباركة حيث يجري السياق في سورة النور لبيان صفاتهاالمثلى .
وهكذا نستوحي من هذه الآية ضرورة جعل نور الايمان في مشكاة الاسرة ، و ذلك من أجل تربية النفس البشرية و تنمية العوامل الخيرة فيها لتتضاعف خيراتهاو بركاتها ، كالزيتونة اللاشرقية و اللاغربية ، تمتص من اشعة شمس الرسالة ازكاها ، و انماها ، و هكذا نتذكر بالآيات ان هناك سورين للاسرة الفاضلة : سور مادي و هو البيت الذي يحرم على الاجنبي اقتحامه ، و سور معنوي يعلو بالقيم السامية ، و البيت الذي اذن اللهله ان يرفع انما هو الذي يحصنه ذكر الله و تسبيحه ، و الذي يشتغل ابناؤه بمعايشهم و لكن دون ان تشغلهم عن ذكر ربهم ، و هكذا تحافظ الاسرة على مهمة الانسان ، الذي خلقه الله مصباحا للحياة ، يتفجر من جوانبه النور - ارادة و عقلا و عواطف - فلو ترك هذا النور تلفحه رياح الشهوة لانطفأ او لا اقل لقلت اضاءته ، و لكنك تجد من الناس من لا نور لهم أساسا ، و هم يجعلون انفسهم في قبور من ظلمات الكفر و الجحود ، كالليل المظلم تلفه امواج الشهوة ، و تكتنفه سحب الغفلة ، فلا يجد السبيل الى فهم الحقيقة ابدا .
|