هدف الدولة الاسلامية [55] [ وعد الله الذين ءامنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ]
و هنا ثلاثة اسئلة لابد من الاجابة عليها :
الاول : ما هو الربط بين هذا الوعد بعد الامر بالطاعة ؟
الثاني : لماذا أكد القرآن على كلمة " منكم " ؟
الثالث : ما معنى الإستخلاف في الارض ؟
الجواب أولا : لان الطاعة للقيادة أمر صعب جدا ، ولا يمكن ان يلتزم الانسان بها مخلصا تمام الاخلاص ، الا ان يكون وراءه هدف محدد .
و حينما تسعى جماعة مؤمنة لتحقيق الإستخلاف في الارض ، فان الافراد يتنازلون مرحليا عن انانيتهم ، و يذوبون أنفسهم في بوتقة القيادة ، و هذا يجعل كل واحد منهم يلبس شخصية جديدة ، هي شخصية المجموع ، و يتمثل بالتالي شخصيةالقيادة .
ثانيا : جاءت كلمة " منكم " لتبين بأن الإستخلاف سنة جرت في السابقين ، وهي ليست حكرا على اولئك ، بل تجري فينا أيضا ، و من سيأتي بعدنا من المؤمنين ، اذ ليست هذه السنة حكرا على فئة محددة في زمن محدد ، بل يكفي ان يتحقق شرطا " الايمان و العمل الصالح " لتأخذ هذه السنة مجراها في أي مجتمع .
أما الجواب عن السؤال الثالث :
أ - فقال جماعة من المفسرين إن الإستخلاف يعني ذهاب طائفة من الناس ، و حلول أخرى محلها .
ب - وقال آخرون إن معنى الإستخلاف هو إكرام الله المؤمنين بجعلهم ائمة الناس ، ليقوموا بتطبيق الشريعة ، كما استخلف الأنبياء و الأوصياء و الصالحين من المؤمنين من قبلهم .
و الواقع إن الخلافة كما جاء في ( أ ) ، فهذا هو المعنى الضيق للكلمة ، فكل الناس خلفاء لمن سبقهم ، حتى الكفار منهم ، فلا داعي للتخصيص ، لان الله وعد المؤمنين بالخلافة عامة .
و عموما فإن الخلافة في الأرض هي القيادة التي يهبها الله لفئة من الناس ، لأنهم يتبعون ما أنزل عليهم من قيم .
إذن فواقع الإستخلاف يعني أمرين :
الاول : ان الله يعطي السلطة للمؤمنين و يمكن لهم تمكينا .
الثانـــي : ان هذه السلطة لا تكون الا بإذن الله الذي يحققها و يعطيها الشرعية .
[ و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ]
فسلطتهـــم ليست كأي سلطة مادية ، بل هي سلطة روحية تهديها القيم الرسالة .
[ و ليبدلنهم من بعد خوفهم ]
الــذي عاشوه في ظل السلطات الجائرة و هم يقاومونها حتى يقيموا دولة الحق .
[ أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ]
ان الهدف الحقيقي للحكم الذي يعطيه الله للانسان ، ليس التسلط على رقـاب الناس ، فهو ليس هدفا بذاته ، بل الحكمة منه هو عبادة الله و عدم الشرك به .
ان توفر ظروف التخلص من الضغوط الشركية حيث يرتاح الانسان من شبكات الاستعباد التضليلية و المالية و السلطوية هي أعظم نعمة يهبها الله للانسان .
ومن المعروف ان الشرك لا يتحقق بعبودية الصنم ، بقدر ما يتحقق بعبادة الطاغــوت و الخضوع لسلطته الجائرة ، أو بعبادة المال ، و الارض ، و العنصر ... الخ .
و رفــض الشرك انما هو رفض للقيم التي يتغذى منها ، و لعل هذا ما نلاحظه في التعبير القرآنـي ، اذ لم يقــل تعالى : " لا يشركون بي شخصا " مثلا ، و انما اطلق و قال : ( شيئا ) ، ذلـــك لان من يخضع للطاغوت لا يعبد جسده ، و انما يعبد الصولجان الذي بيــده ، و القوة التي تحت سيطرته ، و هكذا من يخضع للأثرياء ، انما يعبد الدينار و الدرهــم .
[ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ]
فاذا قامت السلطة السياسية ( الشرعية ) فان كل من يكفر يكون فاسقا ، اذ لايملك اي تبرير لكفره .
و الواقع ان التأويل الحق و الشامل لهذه الآية انما يكون عند تحقق وعد الله بالتمكين التام للدين المختار ، في كل اقطار الارض ، كما جاء في احاديث مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال :
" زويت لي الارض ، فأريت مشارقها و مغاربها ، و سيبلغ أمتي ما زوي لي منها " .
و قال - صلى الله عليه و آله - :
" لا يبقى في الارض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله كلمة الاسلام بعز عزيز ، أو ذل ذليل ، أما ان يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، و اما أن يذلهم فيدينون بها " . (1)اما متى يتحقق ذلك ؟ فانه إنما يتحقق عند قيام المهدي من آل محمد حيث جاء في حديث اتفق عليه المسلمون :
" لو لم يبق من الدنيا الا يوم ، لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي إسمه إسمي ، يملأ الارض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا " . (2)[56] [ و أقيموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ]ان اقامة الصلاة و إيتاء الزكاة من التشريعات الالهية التي تدخل ضمن نطاق طاعة الله سبحانه ، لذلك فهما لا يكفيان دون طاعة الرسول ، و لعل المراد بالرحمة(1) المصدر / ص 621
(2) تفسير " نمونه " / ج 14 - ص 530
هنا النصر على الاعداء .
|