فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


صور من العذاب
[12] و من صفات جهنم انها تلتقط طعمتها من مسافة بعيدة لقوة جذبها ، فاذا رأت أصحابها مصفــدين بالأغلال ، مستسلمين لا يملكون حراكا و لا هربا ، فانها تسحبهم بلهيبها ، و في الوقت نفسه تستعر استعارا شديدا و بصوت رهيب و هذا هو التغيظ . كل ذلك لاستقبــالأعداء الله و الرسالة ، و في الحديث الشريف عن الامام الصادق عليه السلام :

" إن جهنم تدعو أصحابها من مسيرة سنة " (1)[ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا ]و بالاضافة الى ذلك فانهم لا يدخلون جهنم دخولا عاديا ، و انما يهوون فيها لانها موجودة في مكان سحيق .


(1) المصدر / ص 7


[13] [ و إذا ألقوا منها مكانا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ]مقرنين : أي مصفدين بالاغلال ، و الثبور : هو الهلاك .

و هنا تصور لنا الآية الكريمة انواعا من العذاب في جهنم ، فبالاضافة للحريق هناك :

1 - الالقاء من شاهق : و يمكن للانسان ان يكون قريبا و لو بعض الشيء من تخيل ذلك ، لو تصور شخصا يلقى من الطابق العاشر ليرتطم جسده برصيف الشارع ، فتسحـــق عظامه ، و إلا فان الالقاء في جهنم يوم القيامة لا يستوعبه عقل الانسان المحدود ، إذ من بين من يلقون من يهوي ألف عام حتى يصل الى مقامه فيها .

2 - المكان الضيـــق : و فيه التعذيب النفسي الشديد ، إذ يجلب الكآبة و الضجر لصاحبه ، وجاء في الحديث :

" و الذي نفسي بيده : انهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " (1)3 - التصفيد بالاغلال : حيث معاناة المصير التعيس بثقل الأصفاد و فقدان القدرة على الحركة تماما .

4 - و ينادي المكذبون بالويل و الثبور ، لهول ما يرون ، فيأتيهم النداء الذي يزيدهم ألما لآلامهم .

[14] [ لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا ](1) المصدر / ص 8


لا تتلفظون بهذا الكلام مرة واحدة ، بل كرروه مرارا ، و لن يجديكم ذلك نفعا لأنكم في العذاب خالدون .

[15] [ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء و مصيرا ]أيهما افضل الدنيا بما فيها من ثمرات و كنوز . تعقبها النار و السعير ، أم جنة الخلد يسبقها العمل الصالح ، حيث النعيم المقيم و العز الدائم ؟!

بالطبع لو حكم الانسان عقله في هذه المسألة لأجاب الصواب ، و لكن ذلك وحده لا يكفيه لدخول الجنة الا بالعمل الصالح في سبيل الله ، لأنها للذين يأكلون الطعام ، و يمشون في الأسواق ، غير مستكبرين على الناس ، ولا مبتغين العز إلا من عند الله .

[16] [ لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا ]لا أحد ينكر ما بلغت إليه مدنية اليوم من التقنية و المنهجية و العلمية ، و لكنها تبقى عاجزة أمام طموحات الانسان ، فهي لم و لن تستطيع تحقيق كل ما يصبو إليه ، و من كان عاجزا عن ان يهب للانسان الحياة بعد الموت ، لهو أعجز على إعطائه الخلود .

إن أسمى ما يفكر الانسان في الوصول اليه شيئان :

أ - أن يدرك ما يريد .

ب - الخلود و هو ما يسمى بغريزة حب البقاء .

ولا يمكن تحقيق هذه الطموحات في الدنيا بطبيعتها ، فلابد أن يفكر الانسان فيالدار التي يمكنه تحقيق طموحاته فيها ، و ليست إلا الدار الآخرة ، و هذا وعد أكيد من الله للمتقين " و من أوفى بعهده من الله " " و من أصدق من الله قيلا " ؟

روي ان الفضل بن سهل وزير المأمون العباسي أراد تزويج المأمون من ابنته " يوران " و كان مترفا ، و جندوا كل أموال الدولة الاسلامية من أجل حفل الزفاف ، و كذلك الطغاة يصرفون المليارات من الدولارات على حفلات زواجهم .

فصنعا ما صنعا ، و من جملة ذلك صنعوا فراشا منسوجا بخيوط الذهب ، و مرصعا بالآلئ و الجواهر ، و عندما أراد الأب الأخذ بيد ابنته يسلمها إلى عريسها - كما تقتضي التقاليد آنذاك - قال لها : يا بنيتي هل قصرت في حقك ؟ و هل تريدين مني شيئا آخر ، فقد أعددت لككل ما تتمنى نفسك ؟

قالت : لم تقصر في حقي ، و لكني أريد شيئا واحدا .

وما هو ذلك ؟

أريد مسمارا و مطرقة أسمر بهما الفلك حتى يتوقف عن الدوران ، كي تبقى كل الليالي مثل هذه الليلة .

و أنى لي بذلك ؟

قالت العروس : و ما تنفع ليلة واحدة إذن ؟

ان الانسان مهما أوتي من نعم الله في هذه الدنيا ، إلا أنه سيبقى قاصرا عن بلوغ تطلعاته البعيدة ، فلو فكر بعقله مليا لأدرك الجنة هدفا لا الدنيا .

ج - كلما ازدادت النعم على الانسان في الدنيا ، كلما ازداد خوفه من زوالها .


ألا ترى أنه كلما أوتي الانسان خيرا يزداد بخلا ؟ وفي الحديث :

" ما فتح الله على رجل بابا من الدنيا إلا وفتح عليه من الحرص ضعفيه "لأنه كلما ازدادت النعمة عليه . كلما ازداد حرصه عليها كي لا تزول ، و هو يعلم في قرارة نفسه انها زائلة لا محالة .

لذلك لا يمكن للانسان ان يفرح بالنعم ، واحساس عميق بخوف الزوال يساوره بين اللحظة و الأخرى ، أما أصحاب الجنة فهم خالدون فيها لا يبغون عنها حولا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس