فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الاطار العام
كان الاتجاه العام لسورة الكهف هو بحث علاقة الانسان بزينة الحياة الدنيا ، فجاءت سورة مريم لتركز الضوء على علاقة الانسان بالأسرة و الأولاد أي قضية الامتداد البشري و إطارها السليم .
و ثمة ملاحظتان :
الأولى : يؤكد الإسلام على ضرورة تحديد الانسان لعلاقته بالطبيعة في إطار علاقته الكبرى بربه و ربها، لان الأخرى ، هي التي تحدد أعماله و سلوكه و كيفية تكوين علاقاته .
و يجب أن يضحي بكل شيء من أجل هذه العلاقة ، فهو عبد لربه يحبه و يحب من يحبه و يبغض من يبغضه . فعلاقة الانسان بالطبيعة امتدادية و ليست ذاتية ، فلأن الله أمرنا أن نعمر الأرض و نبني البيت ، و نكون العائلة ، و نحب أولادنا أو نشفق عليهم . فانا نقوم بكلذلك في حدود أوامر الله و توجيهاته .
و لقد جاءت سورة مريم لمعالجة هذه الحقيقة ، و لذلك جاء في الحديث :
" من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت حتى يصيبه ما يغنيه في نفسه و ماله .."و الإدمان يشير الى العمل بهذه السورة ، و تكييف حياة الانسان و علاقاته وفقها ، و من يفعل ذلك فانه يرى خيرا في علاقاته و حينما يأمره الإسلام أن تكون العلاقة بالطبيعة و زينة الحياة ( من أموال و بنين وما أشبه ) علاقة امتدادية ، في إطار العلاقة مع الله، فليس لأنه يريد للانسان الحرمان من نعيم الدنيا و طيباتها ، إنما يريد له أن يستفيد من ذلك أكبر فائدة ممكنة ، لأن الله هو خالق الحياة و البشر ، و هو أعلم بما يصلحهم و يعود عليهم بالخير ، و بالتالي هو القادر على أن يرسم لهم المنهج السليم في السلوك و العلاقات .
الثانية : إن هناك فرقا بين الوصفة الطبية و الدواء الذي تشتريه بموجبها ، فبينما تشير هي أن الدواء فقط يقوم بملاحقة ميكروب المرض للقضاء عليه . و الكتب التربوية و الأخلاقية تشبه الى حد بعيد الوصفة الطبية ، بينما القرآن دواء و شفاء لأمراض السلوك البشري ، فآياته تلاحق الجراثيم و الأمراض النفسية في قلب الإنسان و تقضي عليها ، لذلك لا يكتفي القرآن أن ينصحك بكيفية تكوين علاقاتك مع أولادك فحسب و انما يتعمق حتى يصل الى جذر المشــكلة النفسية و يقتلعها ، فيضرب الأمثال و يبين حقائق التأريخ و يحللها .
و قد سميت هذه السورة بمريم لأن علاقة مريم الصديقة بابنها عيسى (ع) كانت علاقة فريدة و نموذجية .