فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الاطار العام
من المعروف ان اسم هذه السورة مستلهم من الكلمة الأولى التي نجدها فيها، وهكذا أسماء كثير من سور القرآن تستلهم من الكلمات الأولى او من بعض المشاهد البارزة في تلك السورة، فسورة يس استلهم اسمها من كلمتها الأولى، أما سورة الطارق فقد استلهم إسمها من كلمة بارزة فيها.
والسؤال: ما هو الموضوع الذى تبحثه آيات سورة طه؟
يحدد البعض من المفسرين نظراته حول سور القرآن عبر الموضوعات العامة والمشتركة بينهما وبين سائر السور، فكل سور القرآن في تصوره تدور حول ضرورة توحيد الله، والإيمان بحاكميته المطلقة على الأرض والسماء والإنسان وهكذا.
ولاشك ان هذا صحيح، ولكن لا يكفي ذلك وحده فالمواضيع الهامة موجودة في كل السور، فلماذا اذا تكررت؟ وما هي الفوارق بينهما؟ وهل يكفي لنعرف مدينة ان نقول بأنها بنيت من الطوب والأسمنت، وان شوارعها معبدة؟ ام انه يجب ان نرسم خريطة تفصيلية لها ولشوارعها، وأسواقها وجغرافيتها الطبيعية، وجغرافيتها الاقتصادية، والبشرية وما أشبه، لكي يتضح الفرق بينها وبين المدن الأخرى؟
إن العلم هو إحاطة بدقائق الأمور؛ وحدود الأشياء التي تفضلها عن سواها.
وعلم التفسير –بدوره- يجب ان يحيط خبرة بالموضوعات المتميزة في سور القرآن، وما يميز هذه الموضوعات عن مثيلاتها في سائر السور مع العلوم والمعارف الجديدة التي تستلهم من كل سورة، ومن كل آية من هذه الآيات، بل حتى الآية الواحدة التي تأتي في القرآن مرتين بنفسالألفاظ وبنفس التعابير ومن دون أية زيادة او نقيصة يجب ان نبحث فيها عن معارف جديدة تميزها عن التي سبقتها او تلحقها بسبب اختلاف السياق.
فهل ان معنى (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سور القرآن واحد؟ كلا.. ان كل سورة تبحث عن قضية و(بسم الله الرحمن الرحيم) في تلك السورة مرتبطة بتلك القضية.
اذا أراد المؤمن القيام يقول بسم الله، واذا أراد الطعام يقول كذلك بسم الله، وإذا أراد الذهاب قال بسم الله، وإذا أراد الكتابة قال أيضا بسم الله، فهل هذه الكلمات ذات معنى واحد؟ كلا.. بل يقول بسم الله أقوم، وبسم الله أجلس، وبسم الله أأكل، وبسم الله أذهب،وبسم الله أكتب، فهو يستعين بالله الذي أعطاه القدرة على القيام، وتفضل عليه بنعمة الطعام، وأعطاه العقل، وهكذا لا تعني البسملة ذات المعاني في مختلف المجالات التي ينتفع بها.
وكذلك في القرآن الحكيم نزلت –بسم الله الرحمن الرحيم- مع كل سورة، ولم تنزل مرة واحدة في القرآن كله، وإلا لم يكن الرسول يجعلها في رأس كل سورة وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وترتيب القرآن بهذه الصورة لم يكن اعتباطا انما هو من توجيه الرسول(ص) اذ كان يأمر بوضع آيات القرآن في مواضعها المحدودة لها من قبل الله تعالى، كما يظهر ذلك من ملاحظة سياق الذكر ويدل عليه التاريخ.
اذا فلماذا جعل القرآن –بسم الله الرحمن الرحيم- على رأس كل سورة، فإن لم تكن هذه الآية قد نزلت فمن المستحيل على الرسول ان يضيفها من تلقاء نفسه، وإلا فلماذا لم يكرر آية أخرى او كلمة أخرى؟!
فإن أية آية جديدة تنزل من السماء مرة جديدة، لأبد ان تحمل فكرة جديدة أيضا، ففي تفسيرنا للآيات القرآنية، وفي معرفتنا للسورة القرآنية وموضوعاتها يجب ان نبحث عما يميزها عن سائر الأمور، في نفس الوقت الذي نبحث عن الخطوط العامة المشتركة بينها وبين سائر السور.
فآيات القرآن متشابهات (بعض آياته مثل بعضها) لأن أصولها واحدة وبلاغتها واحدة، وفي نفس المستوى، إذ كل آيات القرآن تدل على الاعجاز، كما تدل على انها من الله، وليست من البشر، ولكن –في نفس الوقت- نجد ان لكل آية من آيات القرآن موضوعا خاصا بها، وموضوعات أعمبالنسبة إلى سياقها، وأعم بالنسبة إلى السورة الواحدة التي نجد الآية فيها، فما هو الموضوع الرئيسي في سورة طه؟
أكثر من تسعين آية من آيات هذه السورة البالغة مئة وخمسة وثلاثين آية تبحث قصة موسى، والأربعين آية الباقية منها تبحث مواضيع شتى، من بينها قصة أبينا آدم عليه أفضل الصلاة والسلام، وسبب خروجه من الجنة، وكيفية إغواء إبليس له.
فهل هذه السورة كسورة يوسف، حيث تبحث عن قصة موسى، كما كانت تلك السورة تبحث عن قصة يوسف؟
حدثنا القرآن الحكيم عن قصة بني إسرائيل وقصة موسى معهم في سورة البقرة، ويحدثنا عن موسى وقصته مع قومه ومع فروعون كما يحدثنا أيضا عن السحرة، فما هو الفرق؟
الفرق هو إن القرآن الحكيم في سورة البقرة –مثلا- انما يحدثنا عن الجانب الاجتماعي والأمني –إن صح التعبير- لبني إسرائيل، بإعتبارهم أمة مستضعفة قاومت المستكبر واتصفة بصفاتها عندما بنت حضارتها وكيف انسجت عليها تلك الصفات فبدأت بحركة للتطهير وما أشبه.
هذه الموضوعات نحمدها في سورة البقرة وفي حديثها عنب بني اسرائيل اما قصة بني اسرائيل وقصة موسى عليه الصلاة والسلام معهم ومع فرعون في سورة طه، فإنها تتناول جانبا آخر هو جانب الإنسان في هذه القصة.
الإنسان الذي خرج من الجنة بسبب غريزتيه الذاتيتين اللتين انحرفتا وتضخمتا وهما غريزتا التملك وحب الخلود، هذا الإنسان نجد عند عرفون وقد اكتملت فيه أسباب الانحراف حتى أوصلته إلى أبعد ضلالة، ونجده عند موسى وقد قاوم الغريزتين فاكتملت فيه صفات الاستقامة، ونجده في الصراع بينهما الذي يتمخض عن مفاجأة هامة، هي السحرة الذين انحرفوا حتى وصلوا في انحرافهم إلى حد انهم أصبحوا أدوات بيد الطاغوت فرعون، ثم مرة واحدة وبسبب تلك الإنسانية الكامنة فيهم وصلوا إلى القمة.
هذا هو الإنسان، والقرآن يركز الضوء على هذا الإنسان، ليس بصورة عامة كما نلاحظ ذلك في سورة الاعراف مثلا، بل بصورة خاصة يركز الضوء على علاقة الإنسان بهدى الإله، ومن الذي ينقذ الإنسان في صراعه مع الطبيعة والشهوات، وكيف ينبغي للإنسان ان يتحدى الطبيعة، وبماذا؟
في آيات سورة طه إشارات دقيقة إلى موضوعات خفية، ينبغي ان نتدبرها فيها لنعرف أسباب رقي الإنسان، وما هي العوامل التي لو التزم بها الإنسان لاستطاع ان يتحدى وأن يقاوم طبيعته وبالتالي لاستطاع الوصول إلى الجنة؟