فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
من مشاهد القيامة
[ 105] [ و يسئلونك عن الجبال ]
الضخمة الراسية .
[ فقل ينسفها ربي نسفا ]
[ 106] [ فيذرها قاعا صفصفا ]
أرض خالية من كل أثر من آثار زينة الدنيا و زخارفها .
[ 107] [ لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ]
أي تصير الأرض مستوية ، فلا حفرة فيها ولا نتوء ، و تزول منها كل المعالم الجغرافية ، تصور لو كنت واقفا على مقربة من جبال الهملايا فاذا بها تنفجر مرة واحدة ، فكم سيكون المنظر مهيبا و مخيفا ؟؟
و السؤال : لماذا نجد القرآن يتحدث في مواضع كثيرة من الذكر ، عن نسف الجبال ، و تسجير البحار ، و انتشار الكواكب و .. و .. ؟
و الجواب يبدو : ان كل ما في الكون خلق لهدف هو عبادة الله ، و خدمة الانسان ، فما دام الانسان قد انتهى وجوده و دوره في الدنيا ، فانه ينتهي تبعا لذلك دور هذه المخلــوقات ، و فــي الحديث القدسي يخاطب الله سبحانه و تعالى الانسان قائلا :
" خلقتك لأجلي و خلقت الأشياء لأجلك "
و لعل من أساليب القرآن في التذكرة ، هو التعرض لمشاهد القيامة بما فيها من الإثارة و شــد الانــتباه ، ليوقض الضمير ، خصوصا وان اسلوب العرض القرآني قمة البلاغة .
[ 108] و يواصل القرآن الحديث عن يوم القيامة :
[ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ]من المفارقات الموجودة بين الدنيا و الآخرة ، مفارقتان تذكرهما هذه الآيات :
الأولى : المفارقة الزمنية ، فبينما الدنيا محدودة زمنيا ، نجد الآخرة أبدية .
الثانية : و تذكرها هذه الآية ، و هي ان الدنيا حياة الارادة البشرية ، بينما الآخرة ( يوم القيامة ) يجرد الانسان من ارادته ، و بالذات المجرم ، و يخضع لله جبريا .
فهذا البشر الذي كان يتمرد على رسل الله و رسالاته ، نجده - هنالك - خانعا خاضعا لداعي الله ، و صوته الذي طالما رفعه يحارب به الله ، و عباده ، و رسالاته ، هذا الصوت تجده خاشعا لله تعالى ، الذي ينتظر منه الجميع كلمة العفو و الغفران ، و يتبعون داعيه دون أي تلكأ وبلا عوج ، ذلك الداعي الذي يدعوهم الى صراط الله المستقيم لا عوج له .
[ 109] [ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضى له قولا ]كل العلاقات لا تنفعه يوم القيامة ، ولا تبقى الا علاقة واحدة ، وهي علاقة المؤمنين و شفاعتهم و شفاعة الرسل و الصديقين و الشهداء و الصالحين لمن اتبعهم في الدنيا و اطاعهم ، فالعلاقة الرسالية اذن هي الباقية يوم القيامة ، و ليس هناك انصاف آلهة يفرضون ارادتهم على ا لله ، كما يدعي البعض أو يتصورون ، و هذه الوساطات و الوجاهات التي يتوسل بها الانسان قد تنفعه عند السلطان ، أما عند الله فلا ، الا لمن يعطيه الله صلاحية الشفاعة ، و نتسائل : ما هي اذا فائدة الشفاعة و من ذا الذي تعطى له صلاحيتها ؟
أولا : ان الشفاعة هناك نتيجة العلاقات الايمانية هنا ، و بالذات العلاقة بين المؤمنين و قيادتهم الشرعية من رسول و وصي رسول ، و من أمر الله بطاعته و حبه ، و كلما ازداد حبك في الله للأنبياء و الأئمة و خلفائهم و طاعتك لهم ، كلما ازدادت فرص نجاتك من النار ، لأنهم وحدهم الشفعاء عند الله .
ثانيا : قد يلقي الشيطان في قلب المذنبين اليأس من روح الله ، فيفتح الله لهم بابا واســعا الى رحمته عبر الشفاعة و يهديهم الى صراط التوبة ، و هو العودة الى الله ، و من أمر الله بطاعته ، من الرسول و أولي الأمر الشرعيين من بعده .
و سؤال آخر : لماذا التأكيد على أن لا شفاعة الا لمن ارتضى الرب ؟
و الجواب : ان فكرة المسؤولية هي أثقل ما في الميزان من فكر ، وان البشر يسعى جهده للتخلص منها ، و الاستراحة الى ظل التبريرات ، و الشفاعة ابرزها ، إن الانسان يخدع نفسه كلما ذكره الله بالجزاء ، و يتمنى لو ان شخصا يشفع له ، فيؤكد الله سبحانه : كلا ، لاشفاعة عند الله الا ممن يرتضيه الله سبحانه ، هكذا لكي تبقى النفس عارية أمام حقيقة المسؤولية ، و يتقبلها طوعا او كرها .
[ 110] [ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ]
فسلــوك الانـسان و خلفياته هي التي تؤثر في مصيره غدا ، و كل ذلك يعلمه الله .
[ ولا يحيطون به علما ]
وهكذا يقفون امام سلطان الرب القاهر ، عاجزين لا يحيطون به علما ، فلا يمكنهم التغلب عليه ، او مقاومة مكره ، إذا ليس امامهم الا التسليم له و الهروب من عدله الى عفوه ، ومن غضبه الى رحمته و رضوانه .