فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

بينات من الآيات
[ 111] [ و عنت الوجوه للحي القيوم ]

عنت أي خضعت خضوعا ذليلا ، أما الوجوه فهي المظهر البارز من الانسان ، و حينما تقول توجهت أي جعلت كل أبعاد حياتي في هذا الطريق ، فعنت الوجوه بمعنى خضعت أبعاد حياة الانسان للحي القيوم ، بلى هذا الوجه الضعيف الفاني ، حق له أن يخضع لذلك الوجه الحي القيوم ..

هكذا نقرأ في الدعاء :

( سجد وجهي الذليل لوجهك العزيز الجليل ، سجد وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي ، سجد وجهي الفقير لوجهك الغني الكبير ، سجد وجهي و سمعي و لحمي و دمي و جلدي و عظمي و ما أقلت الأرض مني لله رب العالمين ) (1)و لعل اسمي الحي و القيوم يجمعان أسماء الله الحسنى .

[ و قد خاب من حمل ظلما ]


(1) مفاتيح الجنان - ص 227 - من دعاء الجوشن الكبير .


الخيبة هي الفشل ، و الذي يخيب هو الذي لا يصل الى هدفه ، و الظلم حمل ثقيل على كاهل الانسان يتجلى في صور سلبية شتى في الدنيا ، كعدم التوفيق و الفشل و .. و .. أما في الآخرة فيتجلى في صورة العذاب المهين ، و هذا خلاف ما ينتظره الانسان من وراء ظلمه ، أو ليس كان يأمل الظالم أن يحقق لنفسه و أهله السعادة و الفلاح ، الآن تراه يفشل و يخيب أمله ، و يحمل أوزار الظلم .

[ 112] في مقابل الظلم يوجد العمل الصالح ، و هو حالة بناء ، سواءا للنفس أو المجتمع ، فبدل أن تسجر لنفسك تنورا في جهنم بالظلم ، شيد لك قصرا في الجنة بالعمل الصالح ، و بدل أن تهدم علاقاتك بالمجتمع عبر الظلم ، و سعها و متنها بالأحسان و العمل الصالح ،و الذي يعمل الصالحات لا يخاف الهضم ولا الظلم .

ثم أن عمل الصالحات في الخط الفاسد ليس من الصالحات في شيء ، لذلك يؤكد القرآن :

[ و من يعمل من الصالحات وهو مؤمن ]

فحتى تثمر الصالحات يجب أن تكون في خط الايمان .

[ فلا يخاف ظلما ولا هضما ]

لا يمكن في يوم القيامة أن ترى صحيفة عملك و قد ذهبت بيد غيرك ، كما لا يمكن أن يضيع الله عملا صالحا مهما يكن صغيرا ، فلو أنك قمت في أحد الليالي لحظات و سبحت الله ثم نمت فهي ستبقى مكتوبة في صحيفتك يوم القيامة ، و الفرق بين الظلم و الهضم ، أن الظلم ذهاب كل العمل ، و الهضم نقصان بعض الاجر .

[ 113] [ و كذلك أنزلناه قرءانا عربيا ]

عربيا : بليغا يفهمه كل الناس ، و يوضح كل الحقائق ، و اللغة العربية تمتاز ببلاغة نافذة - باعتراف علماء اللغة - لا نجدها أبدا في غيرها .

[ و صرفنا فيه من الوعيد ]

أي ثبتنا فيه الوعيد ، بأساليب مختلفة و مع أمثلة حقيقية .

[ لعلهم يتقون ]

لكي تترسخ فيهم روح التقوى ، و الذي تترسخ فيه هذه الروح لا يظلم ولا يغفل ولا يذنب ، لأنه مسلح بالتقوى و الحذر نتيجة الوعيد .

[ أو يحدث لهم ذكرا ]

هدف القرآن هو زرع التقوى في نفس الانسان ، واذا كان قلب الانسان لا يتقبل التقوى ، فلا أقل ليتذكر بالقرآن ، و التذكر حسبما جاء في الأحاديث هو تذكر الله عند ممارسة الخطيئة ، من هنا يمكن القول بأن التقوى نوع من العصمة أما التذكر فيشبه الكابح .

[ 114] [ فتعالى الله الملك الحق ]

تعالى عن التشبيه و التصوير و التصور ، فهو الملك المالك لكل شيء و المهيمن عليه ، و هو الحق و ما دونه الباطل ، فنحن ملكه يهدينا الى القرآن .

ولكي نصل الى علم القرآن لابد من التسليم و الاستزادة من الوحي دون العجلة .

[ ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى إليك و حيه ]

في تفسير علي ابن ابراهيم ، في سبب نزول هذه الآية ، قال : كان رسول الله (ص) اذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزوله ، فأنزل الله :

[ ولا تعجل بالقرآن ]

و لعل زيــادة حب النبي و شوقه الى وحي ربه ، كان يدفعه الى ذلك ، فنهاه الرب عنه ، و مهما كان السبب فان ذات العجلة غير حميدة :

1 / اذ المطلوب من المؤمن التسليم المطلق امام الرب ، ليزيد الله علمه ، و مع الاستعجال بالوحي حتى ولو كان من منطلق الشوق ، يفقد كمال التسليم له ، و بالتالي لا يزداد علما .

2 / و المهم قراءة القرآن بتأن و تدبر لاستيعاب معانيه ، لأن هذا الطريق فقط هو الذي يجعلنا نفهم القرآن ، و خطأ أن نقرأ القرآن بهدف القراءة لأنها ليست مطلوبة بذاتها ، اذا عريت عن الفهم و التدبر ، الذي يحقق التقوى أو الذكرى .

[ وقل رب زدني علما ]

وان من آداب تلقي الذكر - بعد التسليم - الشوق الى زيادة العلم ، فمن اغتر بما يملك من العلم لم يؤت الزيادة .

و لذلك نجد كيف يأمر الرب رسوله بطلب الزيادة في العلم - وجاء في الحديث الشريف - عن أئمة أهل البيت : لولا اننا نزداد لانفدنا . (1)و في الحديث المأثور عن عائشة عن الرسول (ص) انه قال :


(1) تفسير نور الثقلين / ج 3 / ص 397 .


" اذا اتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني الى الله ، فلا بارك الله لي في طلوع شمسه " (1)[ 115] [ و لقد عهدنا إلى ادم من قبل فنسي ]

لقد حدد الله سبحانه الهدف من القرآن ( التقوى و التذكر ) ، و كمثال على هذين الهدفين يذكر الله قصة آدم (ع) عندما نهاه عن الشجرة و حذره من الشيطان أن يخرجه من الجنة ، فلا هو اتقى الشيطان ولا هو تذكر نهي الله له .

و من كلمة " نسي " نستنتج ان عصيان آدم لم يكن متعمدا ، و يدل على ذلك عجز الآية " ولم نجد له عزما " أي عزما على ترك المعصية ، كما ان النسيان ضد التذكر ، و عهدنا بمعنى أمرنا ، فهو لم يتحد ذلك الأمر انما نسيه .

[ ولم نجد له عزما ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس