فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
و هناك تفسيران لهذه الأية
الأول : ان آدم (ع) نسي العهد الالهي و لكن لم نجد له عزما على الخطيئة أي تعمدا .
الثاني : لم يكــن آدم مــن أولي العزم و أولو العزم خمسة هم : نوح ، و إبراهيم ، و موسى ، و عيسى ، و محمد (ًص) ، و هذا التفسير تأكيد للقول بأن الارادة " العزم " تمنع الغفلة و النسيان .
[ 116] [ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى ](1) المصدر / ص 298 .
ان سجود الملائكة الموكلة بالطبيعة للانسان يعني ان الله سخرها للبشر ، بلى يبقى إبليس موكل بالنفس الأمارة التي لن تسجد لله الا ان يجبرها الانسان على ذلك .
[ 117] [ فقلــنا يا ادم إن هذا عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ]بين الله لآدم وزوجه ، أن ابليس عدو لهما ، يسعى لاخراجهما من الجنة ، و نستفيد من هذه الآية عدة أفكار :
1 - ان الانسان بحاجة الى ان يعرف عدوه ابليس و يتذكر ذلك ابدا .
2 - ان عداوة ابليس للمرأة كعداوته للرجل ، و بالتالي على المرأة أن تكون على أشد الحذر كما على الرجل سواء بسواء .
3 - ان هــدف الشيطان هو اضلال البشر و جرهم الى الشقاء المادي و المعنوي ، و وسيلة في ذلك التغرير و المكر و الخداع !
[ 118 - 119] [ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى ]هذه أربع من النعم المادية التي أودعها الله في الجنة و هي ( نعمة الأكل و اللباس و الشراب ، و المسكن ) .
[ 120] ولكن هل يترك الشيطان الانسان لسبيله ؟ .. كلا .
[ فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى ]نستوحي من هذه الآية الكريمة أفكارا عديدة تعالج قضايا هامة ، لازال بعضها موضع بحث و دراسة عند المفسرين :
1 - ان الشيطان يوسوس للانسان ، فيستثير طبائعه الدفينة ، و يدغدغ تمنياته المكبوتة ، و يحرك تلك الغرائز الخامدة ، و هو يفعل كل ذلك بهدف التشويش على بصره ، و التمويه عليه ، و زرع الشبهات في قلبه ، و القاء التبريرات و التسولات في نفسه .
و هكذا لا يكفي الحذر من اغواء الشيطان المباشر ، بل علينا أن نعرف أنه يشــوش عليــنا ، و يشبه الأمور و يخلط الحق بالباطل ، و يمكر و يكيد ، و يغر و يخدع ، إن علينا أن نكون في قمة الحذر ، و الا وقعنا في شركه .
2 - وآدم أول من وقع في مصيدة إبليس ، فهو لم يعزم عصيان ربه ، بل أنساه الشيطان أمر الرب ، و خدعه حيث حلف له بالله كذبا أن الله لم ينهه عن تلك الشجرة.
و لم يكن آدم يعلم أن من الممكن أن يحلف أحد بربه كاذبا ، ثم شبه عليه بأن المنهي عنه انما هو شجرة معينة من الحنطة ، و ليس كل أشجار الحنطة ، و هنا استفاد أبليس من نقطة ضعيفة عند البشر حيث يتهرب من المسؤولية بأدنى تبرير ، و كانت أداة و سوسته اثارة مشاعر حب الخلود و الملك عند البشر ، جاء في حديث شريف عن جميل بن دراج عن أحد الصادقين عليهما السلام : " سألته : كيف أخذ الله آدم بالنسيان ؟ فقال : انه لم ينس ، و كيف ينسى وهو يذكره و يقول له ابليس : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أوتكونا من الخالدين " (1) .
(1) المصدر / ص 402 .
3 - غريزتا الملك و حب الخلود غريزتان متأصلتان في أعماق الانسان ، فبالرغم من أن الله أسكن آدم و حواء الجنة - وهي دار الخلود - الا انهما لا زالا ينتابهما الشعور بالنهاية ، و قد أثار الشيطان فيهما هاتين الغريزتين ، و هكذا انخدع آدم بابلس الذي زين لهالأكل من الشجرة المحرمة ، و كانت النتيجة أنه طرد من الجنة و أهبط الى الأرض .
و انما خدع آدم حين أثار ابليس فيه غريزتي ( حب الملك و حب الخلود ) ، و من المعلوم انه لم يكن الهدف من خلق هاتين الغريزتين في النفس ان يستخدمهما الشيطان في اغوائه الانسان ، انما اعطاه الله حب الملك و السيطرة ، لكي يستعمر الأرض و يتحمل الصعاب و المشاق في سبيل ذلك ، و اعطاه حب الخلود لكي يحافظ على نفسه من جهة ، و لكي يعرف انه خلق للبقاء و لكن ليس في هذه الدنيا ، بل في الآخرة ، و انه لو لم يخلد في الدنيا ، فان هناك دارا أخرى سيخلد فيها .
و لكن ابليس كعادته يحرف غرائز الانسان ، التي لو استفاد منها استفادة سليمة ، اذا لكانت وقوده في الطريق الصاعد ، أما لو استخدمها بصورة غير سليمة ، فانها ستكون سببا لهبوطه و ترديه .
و الشيطان حينما يوسوس للبشر فهو قد لا يتراءى له ، و لكنه يأتيه في صورة خواطر و أوهام .
[ 121] فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ]كانت نتيجة اقترافهما السيئة أن بدت لهما سوآتهما بعد ان البسهما الله الرياش .
[ و عصى ءادم ربه فغوى ]
عصى باقترافه الخطيئة ، أو تركه الهدى ، و غوى عن رحمة ربه الى دار الشقاء اذ من معاني الغواية الضياع .
[ 122] [ ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى ]
وفي هذه الآية اشارة الى ان بيد الانسان نفسه سعادته او شقائه ، و انه لو وقع في فخاخ الشيطان و انحرف عن الجادة ، فان امامه فرصة التوبة التي هي معراجه الى الفضيلة .
و هناك حديــث مأثور عن الامام الرضا (ع) يوضح الكثير من الشبهات في الاية ، و الحديث كالتالي :
" يقول علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا (ع) فقال له المأمون : يابن رسول الله أليس من قولك ان الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى ، قال فما معنى قول الله عز وجل : " و عصى آدم ربه فغوى " ؟ قال (ع) : ان الله تعالى قاللآدم : " اسكن انت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ، و أِشار لهما الى شجرة الحنطة " فتكونا من الظالمين " ولم يقل : ولا تأكلا من هذه الشجرة ، ولا مما كان من جنسها ، فلم يقربا من تلك الشجرة ، و انما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان اليهما ، و قال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة " وانما نهاكما ان تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها " الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " " و قاسمهما اني لكما لمن الناصحين " ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا " فدليهما بغرور فأكلا منها " ثقة بيمينه بالله و كان ذلك من آدم قبل النبوة ، و لم يكن بذنب كبير إستحق به دخول النار ، و انما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلما اجتباه الله تعالى ، و جعله نبيا معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله تعالى : " و عصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى " و قال عز وجل : " ان الله اصطفى آدم و نوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين " . (1)وكلمة أخيرة :
ان الشيطان يقدر على اغواء البشر ما دام الانسان مغرورا بنفسه ، غير مستعيذ بربه من شر إبليس و خدعه و احابيله ..
و هكذا و قع آدم في شرك ابليس حيث اعتمد على نفسه ، فعلينا أن نعرف مدى خطورة الشيطان فنستعيذ أبدا منه بالله سبحانه .
و نكرر : أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي .
جاء في حديث شريف عن الكافي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) :
" فقال لهما لا تقرباها يعني لا تأكلا منها فقال آدم و زوجته : نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها ، و لم يستثينا في قولهما ، نعم ( لم يقولا الا ان يشاء الله ) فوكلهما الله في ذلك الى انفسهما والى ذكرهما " (2) .
(1) المصدر / ص 403 .
(2) المصدر / ص 402.