فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

بينات من الآيات
[ 131] [ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك خير و ابقى ]النعم التي يمن الله بها على الانسان تكون لحكم مختلفة و غايات متباينة ، فقد تكون للابتلاء و الاختبار لمن هو في مستواها ، لعل نفسية شخص لا تتحمل النعم العظيمة ، و بالتالي لا يكون من الحكمة تحميله مسؤولية تلك النعمة العظيمة ، فالأفضل - اذا - الا تطاول بنظرك الى نعم الله على الآخرين .

و قد تكون للزيادة في الاثم و استدراج الفرد نحو مصيره الأسود .

و كثيرون هم الذين يسقطون في الامتحان فيحق عليهم العذاب ، فلا داعي اذن ان يحسد الانسان الآخرين على ما في ايديهم من نعم الله ، بل يقنع بما في يده ما دامت النعم تعطى بحكمة للبشر ، و لو فكر ان يستزيد من الفضل فليكن ذلك بالطرق المشروعة .. بالعمل و السعي بدل المكر و السرقة .

[ 132] ان التنافس على حطام الدنيا لا يختص بالرجال فقط ، بل قد نجد البعض يرضى بقسمته من العيش ، الا ان اهله هم الذين يدفعونهم الى التكاثر من زينة الحياة ، و دائما يقولون له : أفلا ترى أهل فلان كيف يتنعمون بالرخاء ، أفلا تعمل كما يعمل لأهله ؟ فما هيإذا مسؤولية الانسان تجاه أهله ؟ الجواب : عليه أن يكون فاعلا في أسرته و ليس منفعلا ، فلا يتأثر لضغوطهم الشيطانية ، و ذلك عبر تربيتهم على الروحانيات ومن أبرزها الصلاة .

[ و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك ]و تدل هذه الآية على ان الصلاة ليست عبادة فردية يؤديها الفرد تجاه ربه فقط ، بل هي أيضا عمل اجتماعي متكامل الاركان ، نستفيد ذلك من كلمتي ( الأمر ، و الاصطبار ) ، فالأولى تدل على ضرورة الالتزام الاجتماعي بهذه الشعيرة ، بينما تدل الثانية على ان الصلاةتتطلب اعمالا اخرى فيها مشقة و تعب ، فهي بحاجة الى الصبر و الاستمرار .

فالصلاة على سبيل المثال تحتاج الى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الالتزام الحاد بتعاليم الشريعة في كافة مجالات الحياة ، الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية و .. و ..

و نهتدي من الآية الى أن الصلاة باب من أبواب الرزق ، كما أن فائدتها تعود على مقيمها ، مما يجعل الانسان يقبل عليها بشوق و تلهف ، لأن وراءها الرزق و الخير أيضا .

[ و العاقبة للتقوى ]

لكي نوضح بعدا من أبعاد هذه العبارة القرآنية نضرب المثل التالي : قد يأكل الانسان أكله شهية ، و لكنها تحتوي على ميكروب لا تراه عينه ، فهو وان شعر باللذة الآنية ، الا انه سيــجد نفسه طريح الفراش في المستقبل القريب ، بسبب تكاثر الميكروب ، و الآلام التي يسببها ، مما يجره الى انفاق الكثير من الوقت و المال بين الأطباء و المستشفيات طلبا للصحة ، بينما يأكل آخر أكله متواضعة ولكنها نظيفة فيحصل على فوائدها .

ان المفاسد الاجتماعية تشبه الميكروب في الطعام ، فالانسان الذي يكتسب المال عن طريق الحرام ، كالسرقة ، و الاحتيال على الناس ، هذا وان حصل على كثير من المال ، فان عاقبته غير حسنة على صعيد الدنيا حيث يبغضه الناس ، و قد يقع ضحية لظلم الآخرين و سرقتهم واحتيالهم ، اذ كما ان في المجتمع من هو أضعف منه يمارس تجاهه الظلم ، فكذلك فيه من هو أقوى منه يستطيع ان يظلمه ، لكل عمل انعكاسا اجتماعيا يشبه امواج الصوت ، ترتد الى صاحبه قريبا أو آجلا ، ذلك لأن المجتمع وجود حي يتفاعل اعضاؤه فيما بينهم ، فمن عمل بالظلمفانه يكرس قانون الظلم في مجتمعه ، و سيصبح في يوم ضحية هذا القانون ، و الحديث الشريف يقول :

" من طرق باب الناس طرق بابه "

اما الانسان الذي يتقي ، فانه وان لم يحصل الا على قليل من المال لكنه يحس بالبركة و الراحة الدائمة في الدنيا ، كما يكون سعيدا في الآخرة برضى الله و جنته .

ان موقف الانسان من نعم الله المادية هو موقفه من نعمه الرسالية المعنوية ، فترى الذين لا يرضون بنعم الله عليه و يمدون اعينهم ابدا الى مالا يملكون من النعم ، لانعدام الشــكر و الرضــا و الطمأنينة عندهم ، هم الذين يطالبون الرسل ابدا بآيات جديدة ، ولايرضون بما أنزل الله معهم من آيات مبينات .

[ 133] [ وقالوا لولا يأتينا بأية من ربه ]

انهم يطالبون بآية جديدة تشهد على صدق الرسالة فيجيبهم الله :

[ أولم تأتهم بينة مافي الصحف الاولى ]

لقد أحاط الله رسوله و رسالته بالآيات الواضحات ، كلأخبار التي جاءت في الصحف الأولى ( التوراة و الانجيل .. .) التي تنبىء كلها بقدوم النبي محمد (ًص) ، و تذكر سائر الصفات و الأحوال المتصلة به ، و قد تحققت امام أٍعينهم صدقا و عدلا ، و لكن عمى قلوبهم وطلبهم المزيد من الآيات منعهم من الايمان بها .

[ 134] ان العيب موجود فيهم حيث لا تقنع بمعطيات الواقع ، ولا ترضى بحكم الله ، فاذا بعث الله اليهم رسولا منذرا مؤيدا بالحجج و الآيات الواضحة اعرضوا عنه و عنها ، وقالوا نريد معجزات حسبما تراها اعيننا و تلمسها ايدينا ، و حين ترسل اليهم الآيات المدمرةيقولون لقد كنا على استعداد للايمان لو ارسل الله الينا رسولا ينذرنا بهذا المصير .

[ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك من قبل أن نذل و نخزى ]ان موقفهم المتعصب لا يعطيهم فرصة للايمان بالله و الخضوع لحاكميته ، ولو كانت الآيات ملىء الأرض و السماء ، ذلك ان الآيات لا تنفع بدون العقل و التفكر العميق .

[ 135] [ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ]الجميــع ينتــظر المستقبل ، و لكن ترقب المؤمن مبني على اساس التعاليم الالهية ، بينما لا يستند تربص الكافرين الا على وهم ، فهم في ضلالة حاضرة و مصير مظلم ، و هذه الآية تنطوي على انذار بالغ لهذه الفئة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس