فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الاطار العام
شروعها هزة ضمير و نهايتها ومضة أمل ، و بين البداية الصاعقة و النهاية الحانيــة ، يتلو علينا القرآن الكريم آيات الوعي ، ليعالج فينا الغفلة و الإعراض ، و اللعب و اللهــو ، مذكرا بعاقبة المكذبين ، وان الحياة جد ، و ان الملائكة عباد مكرومون ، و ان الالهة لا تنفع ، و هي ليست كهفا منيعا للاعبين و اللاهين ، و ان الله واحد أحد ، و ان الموت و اقع ، و ان الاستهزاء بالرسل عاقبته العذاب ، كما انها تذكر بدور الرسل ، و عاقبة المكذبين بهم ، و شهادة صدقهم في نصر الله لهم .
فما هو إذا الاطار العام لهذه السورة ؟ هل انه يحيط بمحور النبوة و دور الأنبياء كما يدل عليه اسم السورة ؟ أم ان محور السورة قضية الغفلة ، و كيف تعالج في النفس ، ليشعر الانسان بمسؤولياته ، و ان الحياة جد لا هي لهو ولا لعب ؟
لعل السورة تحدثنا عن الأنبياء ، و لكن من زاوية تذكيرهم البشر ، و كيف ينبغي ان نداوي حالة الغفلة من أنفسنا بالاستماع اليهم ، و الايمان بهم و بما ارسلوا به .
ذلك إن سورا اخرى تحدثنا أيضا عن الأنبياء ، و لكن من زوايا مختلفة مثل طبيعة الصراع الاجتماعي أو السياسي الذي خاضوه ( مثل سورة القصص ) أو الأذى الذي لحقهم و كيف استقاموا حتى نصرهم الله ( مثل سورة هود ) .
إن الشعور بالمسؤولية ، قمة الوعي وإن السبيل إليه مقاومة حالة الغفلة و السهو ، و التي لا تتحقق إلا بالانذار باقتراب موعد الحساب !
و قد جاء النبي يذكرهم إلا انهم استمعوا الذكر وهم يلعبون ، لان قلوبهم لاهية ، لا تستقر على فكرة .
و بعــد أن يذكر السياق بان إعراضهم عن الذكر بادعاء إنه سحر ، أو حلم مختلط ، أو افتراء ، أو خيالات شاعر . و بالتالي تبريرهم التكذيب بالحق ، باننا نبحث عن آيات جديدة ، بعدئذ ينذرهم : بأن الهلاك هو مصير المكذبين (11) .
و يبين القرآن : إن الحياة جد لا لعب ، و أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق ، و بالتالي لا ينبغي اتخاذها لعبا و لهوا (16) و يؤكد ذلك بان الملائكة ( وهم الأعرف و الأقوى منهم ) يعبدون الله بجد و يسبحونه و له يسجدون (19) ولانهم يهربون من المسؤولية عادة الى كنف الآلهة فيزعمون انها تنقذهم من جزاء أفعالهم يذكرهم الرب بانه الله الواحد (20) و يستمر السياق بذكر التوحيد و الشواهد الفطرية عليه (30) ثم يعود بعد تزييف فكرة الشرك التبريرية ، ليهز الانسان من أعماقه بذكر الموت ، و ان كل نفس ذائقة الموت ، حتى النبي الكريم عند ربه ( 34) .
أما الاستهزاء ( و هو صورة اللهو وعدم اللهو و عدم الجدية في استقبال القضية المصيرية ) فان عاقبته الدمار ( 36 ) .
و بعد تفنيد الشرك و الاستهزاء يعالج القرآن حالة الاستعجال ( 37) ( حيث إن الانسان يبعد المسؤولية عن نفسه بالادعاء انه لو كان لكل فعل جزاء فلماذا يتأخر الجزاء ) .
و يعود السياق ليبين مصير المستهزئين (41) و يقول ان الله هو حافظكم في الليل و النهار فاحذروه ( ولا تستهزؤوا به ) و انه هو الذي يكلؤكم لا أحد غيره ، و ان الآلهة لا تمنع عنكم العذاب (43) .
و استمرار النعم ، قد يوحي الى الانسان بانه لا نقم و لا جزاء في الحياة ، و لكن الرب يذكرنا بأن نظرة الى الأرض كفيلة باثبات هذه الحقيقة : ان الله غالب على أمره ( 44) .
إن من يلهو لا ينتفع بالوحي لانه الصم ، و هل يسمع الصم الدعاء ( حتى ولو تم إنذارهم بالخطر المحدق بهم ) ( 45) .
إنهم يعترفون بذنبهم إذا أصابتهم نفحة بسيطة من عذاب الله ، فكيف يغفلون عن الموازين القسط الدقيقة التي وضعت ليوم القيامة ؟ ( 47) .
لهذا الهدف و هو تذكرة الانسان ، و إيقاظ ضميره ، و استثارة عقله ، جاء الأنبياء ، يحملون معهم الذكر ، و الله أيدهم بنصره فأهلك المكذبين بهم ، و المستهزئين . و أنقذهم ، و من آمن معهم من العذاب و رفع كلمتهم ، و هكذا يقص علينا القرآن قصة موسى و هارون (
و النبي محمد (ص) ) و إبراهيم و لوط و اسحاق و يعقوب و نوح و داود و سليمان و أيوب و اسماعيل و ادريس وذا الكفل و ذا النون و زكريا و يحيى و مريم و ابنها ( عيسى ) و يبين كرامتهم عند ربهم و شهادة الصدق على رسالتهم الواحدة حيث ان الاختلاف جاء من قبل الناس أنفسهم ( 93) .
و يستلهم السياق من تلك القصص المضيئة إن من يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه ( 94) وهو الجانب الآخر لفكرة المسؤولية .
و بعد أن يبين أشراط الساعة و إقتراب الوعد الحق و ندم الكفار و كيف ان الله يلقي الآلهة المزيفة و من عبدها في النار ، يؤكد بأن دخول هؤلاء النار التي لهم فيها زفير ، لدليل على أنهم ليسوا بآلهة (99) .
أتريد أن تتخلص من النار ؟ ! فكن ممن هداه الله ، و استمع الذكر ، فهناك لا تسمع حسيسها ، و لا يحزنك الفزع الأكبر ( 103) هنالك يطوي الله السماء كما تطوي الأوراق ، و لكن قبل ذلك اليوم سوف يورث الله الأرض لعباده الصالحين ، و هذا البلاغ يفهمه القوم العابدون ! ( 106) .
و الرسول رحمة للعالمين ( و تتجلى الرحمة في يوم وراثة الأرض ) . و بعد أن يذكرنا السياق بالتوحيد ، و ينذرنا من مغبة التولي ، و يخبرنا بأن الله يعلم الجهر و ما تكتمون ، و ان المتاع الدنيوي فتنة و نهايته قريبة يختم السورة بالدعاء الذي يأمر به رسوله النذير ، بأن يطلب من الله أن يحكم بالحق ( بينه و بين الجاحدين ) وهو الرحمن المستعان على الأعداء و ما يصفونه من تهم (112) .