فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الإطار العام
لأن سورة النحل تذكرنا بنعم الله . حتى سميت بسورة النعم عند البعض . و سورة النحل ( و العسل واحد من أفضل انواع الشراب ) عند الآخرين . فان الأطار العام للسورة - كما يبدو لي - هو كيف نتعامل مع نعم الخالق .. و جملة القول في ذلك .

1- ضرورة توحيد الله و نفي الشركاء عمن أنعم علينا .

2- تكميل نعمه التي لا تحصى باعظم نعمة و هي الوحي و الرسالة .

3- الألتزام بحدود الله في الاستفادة من هذه النعم ( التقوى ) .

كل ذلك يجعلنا من اتباع ابراهيم الخليل الذي كان شاكرا لأنعم الله .

و تكاد آيات الدرس الأول تذكرنا بكل موضوعات السورة جملة واحدة .

و تستوقفنا للتدبر الآية الثانية : " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده * ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون " و هكذا تذكرنا بالوحي . و التوحيدو التقوى . و هي الموضوعات الرئيسية في السورة . و التي يريدنا الذكر الحكيم . ان نستفيدها من نعم الله . و نجعل الأيمان بها شكرا عليها :

ثم تذكرنا بآيات الله . تمهيدا لذكر النعم و اعظم الآيات خلق السموات و الأرض و ثم خلق الانسان من نطفة . و خلق ما يحتاجه من الأنعام ..

و بعد ذكر أهم المنافع للأنعام . تبين الآية ( 9 ) ان السبيل القويم للحياة الطيبة . و بالتالي لطريقة الأنتفاع بنعم الله . انما هو السبيل الذي يهدينا اليه الله سبحانه اما السبل الآخرة فهي جائرة . و هكذا يصل السياق بين نعمة الوحي و سائر النعم باعتبارهمتمما أساسيا لها .

و في الآيات (10 / 18) يذكرنا الرب بنعم الماء و الزرع و الثمرات و كيف سخر لنا الشمس و القمر . و سخر البحر و ما فيه من نعمة الأسماك و الطرق البحرية للتجارة . و نعمة الجبال و ما فيها من فائدة حفظ الأرض و مخازن الماء و كيف جعل النجوم علامات .

و يأمرنا بالتفكر و التعقل و التذكر و الشكر . لعلنا نهتدي الى حقيقة التوحيد . و ان الله الذي يخلق ليس كالشركاء الذين لا يخلقون .

و تتابع الآيات (19 / 29) التذكرة بالخالق . الذي يحيط بنا علمه . وان علينا الخشية منه . و الا نستكبر او نستنكف عن عبادته سبحانه . لأنه يعلم ذلك منا و انه لا يحب المستكبرين .

و يحذرنا من انكار الرسالة . و يذكرنا بمصيرالمستكبرين كيف أتى الله بنيانهم من القواعد فاذا بالسقف يخر عليهم في الدنيا . اما في الآخرة فلهم الخزي و النار ، و انهم أسلموا حين جاءهم ملائكة الموت فادخلوهم جهنم لأنهم تكبروا .


و يستمر السياق (38 / 44) في معالجة حالة الاستكبار ( و لعلها اعظم عقبة في طريق الايمان بالوحي ) و ذلك بالتذكرة بالبعث . و كيف ان الهدف منه بيان الواقع الذي يتمثل في كذب الكفار .

و في الآية (41 / 42) يذكرنا الرب بأجر المهاجرين لماذا ؟ لعل ذلك تنبيه الى ضرورة مقاومة اغرار النعم . إذا خير المؤمن بينها وبين الحق .

و يعود و يذكرنا بالوحي . و كيف ان النبي ليس بدعا من الرسل .

و مرة أخرى (45 / 55 ) يذكرنا الله سبحانه بان الذين مكروا السيئات لا امان لهم من مكر الله . و لعل ذلك لكي يعالج غرور الاستكبار في النفس ثم يذكرنا بان كل شيء في الطبيعة يسجد لله سبحانه و ان الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله . بل يخافون ربهم و أن الله قد نهى عن اتخاذ شريك له و أمر بالخوف منه و تقواه . او ليست النعم منه . و اذا فقدنا منها شيئا اولسنـا نجأر اليه ؟ و مع ذلك يشركـــون بالله بعد ان يكشف عنهم الضـر .

و يستمر السياق في تسفيه فكرة الشرك . و الاعتقاد بأن النعم من غير الله . و نسبة الأمثلة السيئة الى ربهم سبحانه مثلا . ان الواحد منهم يكره البنت و لكنهم يزعمون ان لله البنات سبحانه .

كلا لله المثل الأعلى . و للمشركين مثل السوء . و ان لهم النار و ان الشيطان وليهم .

و لعل آيات الدروس الأخيرة هذه تهدينا الى ضرورة التسليم بان النعم من الله . و عدم الانبهار بالنعم و بمن يملك النعم من البشر . او بما هي وسيلة للنعم من مصادر الطبيعة . اقول عدم الانبهار بها لكي يهبط الأنسان الى حضيض الشرك فينسى انالمثل الأعلى لله سبحانه .

و هكذا الآيات (64 / 74) فهي في الوقت الذي تذكرنا بان الرزق و الوحي من الله . تبين لنا : مجموعة مـــن النعـم مثل الماء الذي ينزله الله من السماء فيحي به الأرض . و يرزقنا شرابا لذيذا من بين فرث و دم لبنا خالصا . و يرزقنا السكر من ثمرات النخيل و الأعناب . و شراب ثالث يرزقنا من النحل فيه شفاء للناس .

تلك نعم الله فلماذا نشكر غيره ام نعبد سواه ؟ و يقلب الله البشر من حياة الى موت . و ربما الى هرم و يفضل بعض الناس في الرزق . فهل نعبد سواه . فهل يملك الرزق غيره ؟

و هو الذي جعل للناس من انفسهم ازواجا و اولادا و حفدة . و رزقهم من الطيبات فلماذا يكفرون بنعمة الله . و يعبدون غيره وهو لا يملك رزقا . او يقرنوه بسواه و يضربون له الأمثال سبحانه ؟

و يبدو الآيات هذه تخفف من ( سورة ) الانبهار بنعم الله . لكي يخلص المرء لربه عبادته . و يمحضه حبه .

و هكذا الآيات (75 / 83) تذكر الناس بان الله وحده يملك ناصية الأقدار بينما الشركاء المزعومون هم كعبد مملوك لا يقدر على شيء . فمن هو أحق بالعبادة ؟ و ان الله يملك غيب السموات و الارض . كما يملك امر الساعة . و هو الذي انعم على البشر بالعلم بعد أن خرجمن بطن امه لا يعلم شيئا . و هذه الطيور في جور السماء ما يمسكهن الا الله .

هكذا الولاية لله . و انه السلطان القائم بأمر العالمين و هكذا نعم السكن الدائم او المتنقل كالخيم و نعمة الاثاث و المتاع . و نعمة الظلال . و الاكنان و الثياب ايامالسلم و الدروع للحرب أو ليست من تمام نعمة الله ؟ فلماذا الكفر و انكار نعمة الله ؟

و يستمر السياق و عبر الآيات (84 / 89) ينذر الكفار و الظالمين و المشركين الذين يبعثون ولا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون . و لا ينقذهم شركاؤهم و القوا جميعا السلم الى الله . بيد ان كبراءهم اشد عذابا . ويؤكد السياق على شهادة الرسول هنالك . و ان الكتاب لابد ان يقرن بالشاهد على الناس . و انهما لن يفترقا .

و يعود القرآن الكريم (90 / 97) يبين واحدا من أهم نعم الله . و هو الكتاب الذي أوحاه الرب لعبده يتم نعمته على الناس . و يبين السبيل الى الأاتفاع بالنعم و جملة القول في تنظيم الحياة حتى تكون طيبة : هي العدل . و الاحسان و ايتاء حقوق ذوي القربى . و اجتـنــــاب الفحشاء و المنكر و البغي . و هكــــذا الوفاء بعهــد الله . و الالتزام بالايمان . ( و يشدد عليها القرآن توكيدا و ربما لأنها أهم منظم للعلاقات الاجتماعية ) .

و رعاية التساوي امام القانون . لكي لا تستضعف طائفة طائفة ثانية . بل لما تعتقد انها ارجى منها . و اجتناب استغلال اليمين استغلال سيئا .

ثم الصبر ( و لعله لمقاومة إغراء الشهوات ) .

و يشجع السياق العمل الصالح لأنه مفتاح الحياة الطيبة . و هكذا يبين الكتاب منهاجا كاملا للحياة الطيبة ..

و لكن كيف نستفيد من القرآن ؟ لأن الشيطان قد يغوينا عنه . أو يجعلنا نحرف آياته فان الآيات (98 / 105) تبين لنا منهاجا لفهم القرآن .

أولا : بالاستعاذة بالله حين قراءته من الشيطان .


ثانيا : بالتسليم لكل آياته لأن روح القدس قد نزله بأمر الله فلا اختلاف و لا نقص فيه و شبهات الكفار مرفوضة حيث قالوا بان رجلا اعجميا يعلم الرسول هذا القرآن الذي هو قمة البلاغة .

ثالثا : اجتناب الأفتراء على الله " الكذب " .

السبيل الى الايمان التعالي عن الحياة الدنيا . و استحباب الآخرة عليها . و هكذا تكون النعم في الدنيا نافعة لمن ملكها و أما من ملكته النعم و استحب الحياة الدنيا على الآخرة فان الله لا يهديه لأنه يكفر بالله و برسالاته .

هكذا تبين الآيات (106 / 113) الموقف السليم من نعم الله . و يبدو ان الذين يستحبون الحياة الدنيا . ويفضلون نعمها على نعم الله في الآخرة هم الذين يشرحون للكفر صدرا فيسلب منهم الرب ادوات الوعي . و اولئك هم الغافلون .

أما من يسمو بنفسه عن الدنيا . و يهاجر بعد ان يفتن في الله و يجاهد و يعبد فان الله بعدها لغفور رحيم .

أن تساميه عن الدنيا ينفعه يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها .

و إن الكفر بالله يسلب النعم في الدنيا ايضا . كما ضرب الله مثلا قرية أسبغ الله عليها نعمة الأمن و الرزق فلما كفرت أذاقها الله لباس الجوع و الخوف .

هكذا جزاء من امتلكته الدنيا و لم يسمع لنداء الرسول . و بالتالي لم يستفد من نعمة الوحي التي تحافظ على سائر النعم .

و هذا لا يعني أبدا ترك نعم الله . كلا . بل يعني :

اولا : تنظيم العلاقة معها . بحيث لا تنسينا ذكر الله .


و ثانيا : تنظيم الأستفادة منها كما أمر الله .

و هكذا تبين الآيات (114 / 119) حدود الله في الانتفاع بنعمه . و هذا بعد من ابعاد التقوى التي جاء الآيات الأولى في هذه السورة لتأمرنا بها .

علينا الا نحرم الطيبات على انفسنا . بل نأكل منها و نشكر الله على نعمه .

أما المحرمات فهي الميتة و الدم . و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به ( الا عند الاضطرار ) .

و حرام الأفتراء على الله ، و الكذب عليه بان هذا حلال و هذا حرام .

أما اليهود فقد ظلموا انفسهم فحرم عليهم اشياء بسبب ظلمهم .

أما رحمة الله على هذه الأمة فهي واسعة حيث ان الله رفع القلم عمن عمل سوء بجهالة ثم تاب و أصلح .

و يعطي القرآن الكريم و عبر الآيات (120 / 123) أسوة للذين آمنوا من قصة ابراهيم كيف كان شاكرا لأنعم الله . و علينا اتباع ملته .

أما قصة السبت و حرمة الصيد فيه . فهي خاصة بالذين اختلفوا فيه (124) .

و الرسول مهبط وحي الله يدعو قومه بالحكمة و الموعظة الحسنة . و هو المثل الأعلى للعدل و الاحسان و للصبر و الاستقامة . و سعة الصدر . و سيرة الرسول شاهدة على صدق رسالته . وان الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون (125 / 128) .

و هكذا تحدد سورة النحل العلاقة السليمة مع نعم الله . حيث يزداد المؤمن بها ايمانا لربه . و تسليما لرسالات ربه و نبذا للشركاء و استقامة امام المفسدين و الحمد لله رب العالمين .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس