فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[10] الله الذي قدر الكون بحيث انزل لكم و من اجل استمرار معاشكم ماء من السماء تشربون منه ، كما ينبت لكم الله به مراع لانعامكم ، و لو لا المطر من اين(1) المراسي : جمع مرساة بمعنى أنجر السفينة الذي تقف به في البحر .
تأكل الأنعام ؟!
[ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر ]قال الازهري : الشجر ما ينبت من الأرض قام على ساق أو لم يقم . و هذا الرأي أقرب الى السياق هنا ، كما هو الأقرب الى اصل معنى الشجر و هو ظهور الشيء او اختلاطه ببعضه .
[ فيه تسيمون ]
الكلمة مأخوذة من الاسامة ، و هي الرعي يقال اسمت الأبل أي رعيتها .
و قال بعض المفسرين : ان الآية تدل على ماء الشرب انما هو من السماء فقط . و هو كذلك واقعا .
[11] و الماء الواحد يهبط على الأرض الواحدة ، فاذا بها تنبت به الوانا مفيدة من الثمرات .
[ ينبت لكم به الزرع ]
و اكثــر طعام البشرية من الحنطة و الحبوب و الخضروات و بالتالي من الزرع .
[ و الزيتون و النخيل و الأعناب ]
وهي الثمرات الأكثر نفعا للجسم البشري ، و الاكثر انتشارا في مختلف الاقاليم .
[ و من كل الثمرات ]
يوفر الله لكل ارض ما يناسبها ، و يناسب حاجة اهلها ، ففي ثمرة كل ارضالمواد الاشد ضرورة بالنسبة الى سكان تلك الارض .
[ إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون ]
مراحل العلم و هدف الانعام :
[12] تختم هذه الآيات بالكلمات التالية " يتفكرون - يعقلون - يذكرون - لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون - تهتدون " فما هي العلاقة بينها ؟ و لماذا جاءت متدرجة . علما بأن التدبر في نهايات الآيات يفهمنا معاني الآيات و لربما اعطانا علما جديدا ؟ يبدو ان مراحل تكون العلم عند الانسان هي التالية :
ألف : مرحلة جمع الحوادث و ربطها ببعضها و التعرف على علاقتها الثابتة ببعضها ، و الحصول منها - بالتالي - على قانون عام يحكمها ، و هذا يحصل عن طريق التفكر ، لان التفكر - حسبما يبدو لي - هو تقليب المعلومات و خلطها و اعادة فرزها جاء في المنجد ( الفكر جأفكار : تردد الخاطر بالتأمل و التدبر بطلب المعاني ) .
و الآية الماضية ربطت الحوادث الظاهرة ( هطول الامطار ، و اخضرار الارض و أختلاف الثمرات ) ببعضها ، و جعلتها جميعا آية الخلق عن طريق التفكر ، فقال ربنا : " ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون " لأنه بسبب تقليب المعلومات نحصل على انها آية الله .
باء : مرحلة تخزين التجارب و الاستفادة منها في فهم الحوادث الجديدة ، ويبدو ان هذه العملية تسمى بالعقل - حسبما تدل عليه الكلمة - إذ أن أصل العقل مستوحى من العقال ، و هو الذي يحفظ الناقة ، و جاء في الحديث :
" العقل حفظ التجارب "
و ربطت هذه الآية بين العقل و بين التعرف على سر تسخير الطبيعة للبشر ، لانفهم هذه الحقيقة اصعب و بحاجة الى تجارب مختزنة اكبر . يقول ربنا :
[ و سخر لكم الليل و النهار ]
فاختلاف سنن الله في الليل من الظلام و السكون ، و ركون الطبيعة الى الراحة . اختلافها عن النهار و ما فيه من الضوء و الضوضاء ، و النشاط في السعي كل ذلك جاء لمصلحة البشر ، كما سخر الله الشمس و القمر .
[ و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ]
و قد لا تكون النجوم جميعا مسخرات للبشر إلا انها تنفع البشر ، و ترتبط بتسخير الشمس و القمر ، آيتي النهار و الليل .
[ إن في ذلك لأيات لقوم يعقلون ]
فعن طريق تخزين التجارب و الاستفادة منها سوف يبلغ البشر درجة من العلم تؤهله لمعرفة سر الطبيعة ، و ان كل شيء فيها قد نظم لمصلحة البشر ، و ان عليه ان يستفيد منها لحياته ، و لكن لا يزال امامنا مسافة حتى نصل الى ذروة العلم ما هي تلك المسافة ؟ انها التذكر .
[13] بعد العقل يأتي دور التذكر و هو المرحلة المتقدمة في مسيرة المعرفة .
جيم : و هي مرحلة استيعاب التجارب من اجل العمل ، فكيف نستفيد من الطبيعة المسخرة لنا ؟ هل كل شيء فيها صالح في كل وقت و لكل شخص ؟ كلا .. اذ ان حقيقة الأشياء مختلفة ، و كل شيء نافع لوقت و لشخص ، بالرغم من انها جميعا خلقت للبشر .
[ و ما ذرأ لكم في الأرض ]
ما اظهره الله في الأرض و ما أنشأه و فطره من اجلكم و لمنفعتكم .
[ مختلفا ألوانه إن في ذلك لأية لقوم يذكرون ]
[14] و الله سخر الطبيعة للانسان ، و لكن على الانسان ان يسعى هو بدوره من اجل انجاز هذا التسخير في بعض الأحيان ، فليس النعم تأتي دائما كما السماء ، بل قد تحتاج الى معالجة جادة و الى المخاطرة كالصيد في البحر . و السفر عبره للتجارة .
[ و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حيلة تلبسونها ]فالبحر مثل مخزن كبير لأفضل انواع اللحوم تحصل عليها فيه بأقل جهد و كذلك للحلى .
[ و ترى الفلك مواخر فيه ]
المخر : شق الماء عن يمين و شمال . و يحدث هذا الشق صوتا يشبه صوت العاصفة ، و هنا يذكرنا القرآن بمرحلة رابعة للعلم هي :
دال : مرحلة الاستفادة العملية من العلم ، تلك التي نسميها اليوم التقنية ، و ربما يسميها القرآن بالأكتساب .
[ و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون ]
أي تسعوا في البحار للحصول على رزقكم الذي هو فضل الله ، و بعدها تأتي المرحلة الخامسة و هي :
هاء : مرحلة الرضا النفسي ، ذلك الذي يفرزه الشكر فان اشباع الحاجات الجسدعن طريق النعم لا تكفي ، اذا ظلت النفس قلقة ، تحرص ابدا على شيء مفقود ، اما اذا شكر الانسان ربه ، و عرف ان النعمة ليست من حقه ، بل هي من فضل الله ، و تذكر الايام التي كان يحتاج اليها و كيف حصل عليها بسعيه او برزق الله ، فان نفسه تمتلأ سكينة و هدوءا " لعلكم تشكرون " .
و تبقى امامنا درجة نعرج فيها الى ذروة الكمال في درجات العرفان ، و هي درجة الهداية التي تذكرها الآية التالية .
[15] كما السفينة في اعالي البحار بحاجة الى مرساة تحفظها وسط الأمواج المجنونة ، كذلك الارض التي تسبح في الفضاء تدور حول محور الشمس ، بحاجة الى ثقل يرسيها و يوقف اهتزازها ، و الجبال هي تلك المراسي .
[ و ألقى في الأرض رواسي ]
أي وضع الله فوق الارض جبالا عالية .
[ أن تميد بكم ]
أي لكي لا تتحرك بكم فتزعجكم إن الجبال متصلة من الداخل ببعضها ، لتكون حصنا منيعــا للأرض يمنع الزلازل و الهزات التي يتعرض لها كوكبنا بسبب الغازات الداخلية . كما ان الجبال تمنع العواصف الشديدة التي تجوب سطع الأرض باستمرار ، و تمتص قوتها و هي - في ذات الوقت - تعطي قوة اضافية للأرض لمقاومة جاذبية القمر ، و فجر خلال الجبال عيونا . بسبب مخازن المياه العظيمة في بطن الجبال .
[ و أنهارا ]
و لقد كان من الممكن ان تمنع الجبال اتصال البشر ببعضهم ، بيد ان الله هيأ بينهما سيلا و هذه من أعظم النعم الإلهية حيث انك لا تجد سلسلة جبال متراصة كالجدار يفصل بين الأراضي .
[ و سبلا ]
كيف يهتدي الانسان الى مآربه في الارض عبر هذه السبل ؟ هكذا ينبغي ان يهتدي الى الحقائق من وراء الآيات ، إذ الآيات هي السبل المؤدية الى الحقائق .
[ لعلكم تهتدون ]
[16] يهتدي البشر عن طريق معالم السبل الى غاياته في الدنيا ، و هكذا ينبغي ان يهتدي عن طريق الآيات في الارض و في السموات الى حكمة الله وقدرته .
[ و علامات ]
كتلك التي يضعها على السبل .
[ و بالنجم هم يهتدون ]
و اذا كان البشر يهتدي بالنجم الى سبيله في الارض ، و العلاقة خفية بين النجوم في السماء و سبل الارض ، فكيف لا يهتدي الى الله عبر آياته ؟! و آيات الله اوضح شهادة . و أصرح دلالة و من آياته في الأرض النبيون و الأوصياء عليهم السلام يهتدي بنورهم المؤمنون.
|