فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
جزاء الاستكبار
[25] إن المستكبر يرى في الحق عدوه الخطير ، لأنه يريد ان يستغل الناس و يبسط عليهم جناح طغيانه ، و اذا كان الناس عارفين بالحق فلن يسمحوا له بذلك ، لذلك يبث الدعاية تلو الدعاية ضد الحق ، و لكن ما هي العاقبة ؟
ان عاقبته تحمل اوزار الذين يضلهم بدعاياته ، بالأضافة الى اوزاره .
[ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ]و الأوزار هي اثقال الذنوب ، باعتبار ان الذنب لا ينتهي بل سوف يبقى كثقل يتحمله صاحبه يوم القيامة ، و قد يشترك اثنان في تحمل وزر ذنب دون ان يخفف احدهما عن الآخر ، و قد جاء في الحديث النبوي الشريف :
" مــــن سن سنة حسنة كان له اجرها و اجر من عمل بها دون ان ينقص من أجره شيء ، و من سن سنة سيئة كان له وزرها و وزر من عمل بها "و الآية توحي بان فرض السيطرة على احد ، إذا لم تكن في طريق يعلم الفرد سلامته ، يعتبر جريمة كبيرة .
[26] و لا يكتفي المستكبرون بالدعاية ، بل يتأمرون ضد الحق و جبهته بشتى انواع المكر و الخدع ، و مكرهم يشبه مكر الذين كانوا من قبلهم ، و كيف ان الله نسف أساسهم حتى وقع عليهم السقف .
[ قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ]هبط السقف بسبب تزلزل القواعد التي قام عليها و هم تحته .
[ وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ]
فهم كانوا يزينون السقف ، و يحاولون المحافظة عليه ، فاذا السقف ينهدم بسبب نسف قواعده .
ان آيات سورة العنكبوت قد تكون افضل تفسير لهذه الآية ، حيث ان الكفار الذين اعتمدوا على الماء ، و بنوا بناءهم على قواعد الحضارة ، غرقوا في البحر فتلاشوا كقوم فرعون ، و كذلك الذين ركنوا الى مناعة بيوتهم كعاد دمروا بالريح و بالصخور التي بنوا بناءهم بها و هكذا كل قوم اعتمدوا من دون الله على قواعد مادية اتى عليها الله ، و دمرهم بها و هم لا يشعرون ان خطأهم الأكبر كان اعتمادهم على هذه القوة الزائلة .
[27] ثم عذابهم في الدنيا لا العذاب في الأخرة بل ان استكبارهم سوف يجر اليهم العار و الخزي .
[ ثم يوم القيامة يخزيهم و يقول أين شركآءي الذين كنتم تشقون فيهم ]أن تشقون عصى الوحدة من أجلهم ، أو بتعبير آخر كنتم تتعبون انفسكم دفاعا عنهم ، تناضلون جبهة الحق من أجلهم ، و كان الحري بكم ان تحاربوهم .
[ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم و السوء على الكافرين ]فلهم عذاب نفسي هو العار ، و عذاب جسدي يسؤوهم ، و هذه الآية توحي بقيمة العلم و فائدته . حيث ان أعظم سبب لإستكبار المستكبرين و استغلالهم للناس هو انعدام العلم عند الناس .
[28] و هل الكافرون هم الذين يجحدون بالسنتهم ، أو ان كل مستكبر عن الحق و ظالم لنفسه يواجه ذات العذاب ؟
[ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ]
أي في الوقت الذي كانوا يظلمون انفسهم ، أما من تاب قبلئذ فحسابه يختلف .
[ فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ]
بالرغم من انهم قبل ذلك كانوا يستكبرون ، و يحسبون انفسهم فوق الحق ، و فوق المسؤولية ، فوق القانون و يستضعفون الناس .
[ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ]
إن الإستكبار يبدأ من ظلم الناس و استصغارهم و قد يرتكبه واحد من ادنى الناس تجاه من هو ادنى منه . جاء في نص شريف مأثور عن الأمام أميـر المؤمنين ( عليه السلام ) :
" و من ذهب يرى ان له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين " .
فقلت : انما يرى ان له عليه فضلا بالعافية اذا رآه مرتكبا للمعاصي ؟ فقال " هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى ، و أنت موقوف تحاسب أما تلوت قصة سحرة موسى " (1) .
[29] آنئذ يساقون الى ابواب جهنم ، كل جزء منهم يدخلها من الباب الذي اختاره في الدنيا لنفسه ، فمنهم من اختار باب الطغيان على العباد ، و منهم من اختار باب طاعة الطغاة ، و منهم من يدخل من باب الفساد في الأرض و هكذا .
(1) الجزء 6 - الصفحة 355 ( الكلام منقول بتصرف و اختصار ) .
[ فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ]الذين استكبروا عن الحق ، و استكبروا في الأرض و كانت قلوبهم منكرة .
و آيات هذا الدرس اذا ما قسناها بآيات الدرس السابق التي كانت حول العلم رأيناها تعالج حالة التكبر عن الحق التي هي أخطر أعداء العلم ، و تتدرج من الإنكار الى الإستكبار الى التكبر . كما ان الآيات السابقة كانت تتدرج من التفكر الى التعقل الى التذكرة الىالشكر فالهداية .
|