فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


حدود الحرية البشرية
[71] و الإنسان حر في الحياة ، و لكن حريته محدودة ، مما يهدينا إلى أن يد الغيب تدبر حياته ، و أن الحرية المحدودة التي يملكها إنما هي لإختباره و ليست من ذاته ، لذلك ترى مواقع الناس في المجتمع و الدرجات العليا أو الدنيا التي يتفاضلون عبرها ، إنها نفوذ إلى إصول تكوينية صعبة التغيير ، أو مستحيلة التغيير ، فلقد فضل الله بعض الناس على بعض في الذكاء ، أو في النشاط ، أو الصحة ، و تهيئة فرص التقدم ، فهل يقدر هؤلاء على تحويل صفاتهم إلى أولئك ؟؟ كلا ..

[ و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق ]

و هو النعمة التي يهبها الله للإنسان بسعيه ، و طيب نفسه ، أو امتحانه و ابتلاء الناس به مثل : العلم ، و العافية ، و الأمن .

[ فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ]فلا يقدر الذين فضلهم الله أن يعطوا رزقهم الإلهي لمن هم دونهم ، و لمن هم محكومون لهم .

و التعبير القرآني : " ما ملكت ايمانهم " يوحي بالرقية التي كانت شائعة في أيام نزول القرآن - و يبدو لي - أنه يشمل أيضا كل المراتب الاجتماعية التي يقتضيها التفاضل بين الناس في الكفاءات الطبيعية ، ذلك لأن الكفاءة تقتضي - بالطبع - هيمنة صاحبها على من هو دونه فيها ، فالعلم و القوة يعلوان الجهل و الضعف ، و صاحبهما يملك و لو بنسبة معينة من لا علم و لا قوة له .


و لا أحد ينكر اختلاف الناس من الكفاءة الطبيعية ، و ان هذه الكفاءة لا تقبل التحول من صاحبها الى من هو دونه ، حتى يصبحوا جميعا سواء فيها .

إن نظام الكون قائم على التفاعل بين أجزائه ، و قد أمرت سنة الله في الناس ان يتعاون بعضهم مع بعض مثلما تتفاعل أجزاء الكون ، و لكي يتعاونوا احتاج بعضهم إلى البعض الآخر ، و اختلفت كفاءاتهم ، و لو استغنى الناس عن بعضهم إذا لبقوا كالحيوانات يعيشون أفرادا ، و لم يتقدموا و لا خطوة واحدة في طريق الحضارة .

[ أفبنعمة الله يجحدون ]

إن نعمة التفاضل التي تنتهي إلى التعاون و التقدم نعمة كبيرة ، لابد من شكرها عن طريق رضا الناس بها و قبولها كواقع ، ثم انطلاق كل واحد من موقعه في سبل الخير و الفضيلة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس