فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
لعلكم تشكرون
[ لعلكم تشكرون ]
الهدف الأسمى لنعم الله على البشر ليس التكامل الجسدي و المادي ، بل المعنوي و الروحي ، و التعرف على النعم و على اهميتها ، و على الفوائد الكبيرة لها ،و الإنتفاع بها فيما أمر الله ، و فيما خصصت النعم لها ، و التعرف من خلالها بالتالي إلى ينبوع الخير و معدن الرحمة ، إلى الرفيق الأعلى .. كل ذلكم أسمى من الاستفادة الجزئية لهذه النعم حسب الحاجات العاجلة ، و كل ذلك يجمعه معنى الشكر .
و الآية هذه لا تعني أن العقل و بالتالي العلم ينشأ بتكامل طبيعي عند البشر ، بل بالعكس تماما ، إذ أكدت الآية على ان ربنا جعل لنا الأفئدة التي هي مركز العقل ، فمن دون هذه النعمة كيف كان يتسنى لنا العلم ؟
[79] و اشرف العلم معرفة الله ، و لا تتم المعرفة من دون الايمان ، إذ تبقى الشهوات و صفة الشرك كالسدود المنيعة التي لا تدع تيار المعرفة ينفذ الى القلب .
ان الجاحد لا يرى في الطيور التي تسبح في الفضاء الا ما تسجله اداة التصوير ، بينما المؤمن تنفذ بصيرته الى معرفة الله الذي امسك الطيور في جو السماء .
[ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ]اي في الهواء المحيط بالأرض ، و لولا الهواء لما كانت الطيور قادرة على البقاء في الجو ، ولولا الجاذبية المحيطة بالأرض لقذفت الطيور بمجرد صعودهن في كرة أخرى ، أو في الفضاء اللامتناهي .
[80] و هكذا القلب المؤمن الذي أسلم لله يعرف ما وراء نعم الله من عبر و أهداف .
[ و الله جعل لكم من بيوتكم سكنا ]
اي محلا تسكنون اليه .
[ و جعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم و يوم إقامتكم ]اي بيوت الجلد التي هي خفيفة للسفر و الحضر .
[ و من أصوافها و أوبارها و أشعارها ]
أي أصواف الضأن و اوبار الإبل و اشعار المعز .
[ أثاثا ]
كالفراش و الدثار التي يتمتع بها الإنسان لأجل مسمى .
[ و متاعا إلى حين ]
[81] تلك كانت نعمة السكن ، و أمتعة الانسان التي تحفظ البشر من اختلاف الحر و البرد ، و ظلال الاشجار تقي السائر في الصحراء حر الظهيرة ، و الكهوف تحمي الانسان من عادية البرد و الحر ، و من الوحوش الضارية .
[ و الله جعل لكم مما خلق ظلالا ]
كالأشجار التي أنبتها الله في الأرض ليستظلها الانسان .
[ و جعل لكم من الجبال أكنانا ]
اي مواقع تستترون فيها .
[ و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم بأسكم ]فهناك ملابس السلم تقي حر الجو ، و ملابس الحرب ( كالدروع ) تقي حرالسيف .
[ كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ]
هكذا يحوط الله برحمته الواسعة الإنسان الضعيف ، ليعلم حاجته الى ربه ، فيسلم اليه وجهه ، و لا يتجبر عليه .
إذا الهدف الأسمى لنعم السكن و ما يحفظ البشر من شرور الطبيعة هو : دفعه الى التسليم لربه ، ليحافظ بذلك على نفسه من غضب الله .
|