فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ظلام الجبت
[76] كان لك مثلا ضربه القرآن الحكيم من واقع شخص سلبه الطاغوت حريته ، و حوله الى موجود عاجز ، و يضرب الله مثلا آخر من واقع من يسلبه الجبت حريته ، فاذا به كالأبكم الذي ولدته أمه و أذنه صماء لا تسمع شيئا ، فلم يتعلم اللغة و لم يتفاعل مع الحضارة ، و بقيت تجاربه محدودة بحدود ذاته ، كالإنسان الذي ينمو في غابة ، هل يستوي هو و من أوتي العدالة و الاستقامة ؟

[ و ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء و هو كل على مولاه ]أي ثقيل على من يلي أمره و يشرف عليه ..

[ أينما يوجهه لا يأت بخير ]

كلما يبعثه الى مكان لا ينفع شيئا .


[ هل يستوي هو و من يأمر بالعدل ]

فهذا الذي يأمر بالعدل فصيح اللسان قوي الجنان لا يخضع للضغوط و لا يخشى من التهديد .

[ و هو على صراط مستقيم ]

فهو قادر على أن يحقق أهدافه من أقرب الطرق ان هذان مثلان للمشرك و الموحد ، فبينما المشرك منغلق على ذاته ، لا يكاد ينفتح على العالم من حوله ، بل يجحد بآيات الله و يعبد ذاته ، و لا يسمع و لا يعقل و لا يتفكر ، و لذلك فهو ليس فقط لا يقدر على التخطيطالسليم لنفسه ، بل إذا خطط الآخرون له شيئا لا يقدر على إنجازه ، أقول : بينما المشــرك هكـذا ، ترى الموحد ليس فقط عادلا بنفسه ، بل و يقود الآخرين نحو العدالــة .

و هذان المثلان يمكن تطبيقهما على الجاهل و العالم ايضا ، لان السياق يتحدث عن العلم ايضا .

[77] و العلم و القدرة عند الله ، و العلم مفتاح القدرة .

[ و لله غيب السموات و الأرض ]

و لعلمه المحيط بكل شيء .

[ و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ]

فهو يأمر بها في اقل من رمشة العين فتأتمر .

[ إن الله على كل شيء قدير ]


و من أراد العلم و القدرة ، فعليه أن يؤمن بالله ، و يتوكل عليه .

[78] هل العلم من ذواتنا نحن البشر ؟ إذا لكنا عالمين منذ الميلاد ؟

كلا .. حينما اخرجنا الله لم نكن نعلم شيئا ، ثم هيأ الرب لنا وسائل العلم الظاهرة و الباطنة ، فأعطانا السمع و الابصار ، كما أعطانا الأفئدة .

[ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السمع و الأبصار ]و السمع هو : الإحساس الذي يتقدم ذكره في القرآن ، لأنه الاداة الأولى لنقل تجارب الأجيال الى بعضها عبر اللغة ، كما انها تنقل ايضا المفاهيم العامة التي تتجاوز الظواهر الجزئية ، ففائدتها اهم و التعبير عنها يأتي بصيغة مفرد ( فلا يقال اسماع ) لأن المفاهيم العامة اقرب الى المجردات الكلية ، و يلاحظ فيها العموم الذي يتجلى بالأفراد ، بينما الجزئيات التي تعرف عن طريق البصر يلاحظ فيها التنوع ، فهي اقرب الى الجمع .

[ و الأفئدة ]

و هي القلوب التي تجمع الأفكار و تحلل المعلومات ، و لولاها لما كانت الحواس مفيدة الا بقدر فائدتها للحيوان أو أقل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس