فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


كيف تنهار الأمم ؟
و دليل مسؤولية البشر ، هو جزاؤه في الدنيا على سيئات عمله ، و علنيا ان نقيس الآخرة بالدنيا ، و دليل رحمة الله و حكمته ، أنه لا يعذب أحدا حتى يبعث اليه رسولا ، انه سبحانه لم يهلك قرية الا بعد ان اتم حجته عليهم بالرسل .

[ و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ]يربط القرآن الحكيم في هذا السياق بين الاسراف و هلاك القرى ، و لكن بماذا امر الله المترفين ؟

المأمور به هنا محذوف و هو معطوف على قوله تعالى : " حتى نبعث رسولا " فالله سبحانه و تعالى يأمر الناس بالهدى و الخير و التقوى ، و لكنهم حين لا يعملون بها بل يفسقون عنها ، و يحاربون الله و رسوله ، فماذا يحدث آنئذ ؟

[ فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ]

اي تحققت عليهم المسؤولية و اصبحت لله الحجة البالغة عليهم ، فدمرهم بسبب تركهم لها تدميرا ، و لعل الآية تشير الى حقيقة تاريخية هامة هي : ان الله سبحانه يبعث الرسل عادة علـــى القرى التي ينتشر فيها الفساد . و يتسلط عليها المترفون ، و ذلك لكي يرتدعوا، و لا يستمروا في رحلة الفناء حتى النهاية ، و عادة لا يتوبون فيحق عليهم العذاب ، و ربما تشير الآية ايضا الى الدورات الحضارية في التاريخ .

[17] [ و كم أهلكنا من القرون من بعد نوح و كفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ]فاذا قلنا باننا لسنا من قوم نوح ، أو قوم عاد ، أو ثمود ، فان الله يؤكد لنا بانه سبحانه اعلم بذنوبنا منا ، و ليست المسألة محصورة في عنصر ما ، بل هي سنة الله في الخلق .

[18] قد جاء في الآية (12) من هذه السورة المباركة : " و يدع الانسان بالشر دعاءه بالخير و كان الانسان عجولا " و هذه الآية تكلمنا و تقول :

[ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ]فاذا اراد الانسان الدنيا فان الله يؤتيه منها بقدر حكمته و وفق سنته .

[ ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ]

فيذم نفسه ، و يذمه الآخرون ، و يدحرونه ، اي يبعدونه عنهم و كذلك الله يذمه و يدحره .

[ و من أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ]و تشير الآية الى ان سعي الانسان في الدنيا مفيد ، فان كان يريد الدنيا فان الله سبحانه يعطيه منها بقدر ، و من اراد الآخرة يشكره الله على سعيه .

و لكسب رضى الله و الفوز بالجنة لا يكفي الانسان ان يحلم بذلك ، بل عليه ان يسعى من أجله ، و ان يكون مؤمنا بعمله ، يؤديه عن خلوص نية .

[20] [ كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا ]و قد يتســـاءل المـرء : من اين تأتي قوة الانسان التي يختار بها طريقه و يسعى بها فيــه ؟

الحقيقية ان قوة الاختيار ، و قوة السعي هي من عند الله ، فحتى العصاة يستمدون قوتهم مـــن الله ، فليس عطاء الله ممنوعا عن احد ، و هذا منتهى الحرية الممنوحة للبشــر .

[21] [ انظر كيف فضلنا بعضكم على بعض و للآخرة أكبردرجات و أكبر تفضيلا ]

فاذا كان الفرق بين انسان و آخر في الدنيا الاموال الكثيرة ، و الرفاه الواسع ، فان هذه الفواصل في الآخرة تكون اكبر بكثير ، و المسافة بينهما أعرض ، فترى انسانا مؤمنا يخرج من قبره في يوم القيامة ، فيجتاز الصراط بسرعة الى الجنة ، و هناك مؤمن ينتظر خمسين الف سنة في صحراء القيامة حتى يصل دوره للحساب ، بينما نجد جارهما المنافق أو الكافر يلقى في نار جهنم مذموما مدحورا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس