فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الانسان بين الشرك و الهروب من المسؤولية
هدى من الآيات
هناك تساؤل : اذا كانت سورة الاسراء تتحدث عن المسؤوليات التي يجب على الانسان اداؤها . فلماذا يتطرق هذا الدرس الى بيان التوحيد و الشرك و ابعادهما ؟ و بشكل عام لماذا يحدثنا ربنا سبحانه و تعالى عن قضية الشرك و التوحيد كلما تحدث عن المسؤولية ؟
الجواب : ان المسؤولية هي ذات التوحيد ، و اللامسؤولية هي ذات الشرك ، بل ان التهرب من المسؤولية و التبرير انما هما الهدف من وراء الشرك .
النفس البشرية ، قوة نسميها بالقوة المسولة عملها تبرير الكسل و الجمود ، و تسويل الفحشاء و المنكر ، و هذه القوة التي يثيرها الشيطان ايضا تزين الاستسلام للدعة و الاسترسال مع الشهوات بطرق ابرزها :
1- الحتميات حيث يخيل للنفس عجزها عن مقاومة ضغوط الطبيعة و المجتمععليه . فيتملص عن المسؤولية باسم الحتمية التاريخية . أو الاجتماعية او الطبيعية أو ما اشبه .
و هذا نوع من تأليه الطبيعة أو المجتمع . و جعلها فوق قدرة الله . و فوق قدرة الارادة التي منحها الله للانسان .
2 - الفداء حيث يزعم البشر انه اذا كانت اوامر الرب شاقة ، و لا يمكن احتمالها اذا دعنا نتصور وجود ارباب آخرين نهرب من الرب الاعلى أليهم لينقذونا عن صعوبات المسؤولية التي يفرضها ربنا الاعلى سبحانه و تعالى .
و هذه هي فكرة الفداء التي تسربت الى مذهب النصارى .
و سواء فكرة الحتميات أو الفداء فان الايمان بالله الواحد الاحد ، ينفيها و يجعل البشر وجها لوجه امام المسؤوليات الكبيرة .
ان من يؤمن بالله ولا يتخذ بينه و بين عقله حجابا يشعر في اعماق ذاته بان الله قد جعله مستقلا في قراراته حرا فيما يشاء . فاذا وصل الى هذه الحقيقة تحمل مسؤولياته اعتقادا منه بان متغيرات حياته كالصحة أو المرض ، و الاستغلال أو العبودية و الغنى أو الفقرو ما الى ذلك انما هي من عند نفسه ايضا ، و الانسان البسيط غير المعقد و البعيد عن الشهوات يشعر دوما بهذه الحقيقة و هذا الاحساس يدفع به نحو تحمل المسؤولية ، لانه حينما يعترف بواقعه يرسم لنفسه خطة حكيمة لكي يصل بها الى اهدافه .
في المقابل نجد انسانا يتصور بان هناك اشياء اخرى فوق عقله ، تلك ما يسمونها اليوم بالحتميات - حتميات التاريخ و الاجتماع و الاقتصاد و السيكولوجيا و التربية - فيزعم احدهم بان الحتميات هي التي تصنع الانسان ، و ليس للانسان ان يتخذقرارا نابعا من فكره و ارادته ذلك لان العقل في نظره ليس الا صورة متطورة للمادة .
لقد قسم الاطباء قديما الناس حسب امزجتهم ، فهذا مزاجه صفراوي ، و ذاك بلغمي و الآخر سوداوي و هكذا فزعموا ان ارادة الناس تتبع امزجتهم اما احد الفلاسفة الجدد فانه يقول : بان ارادة الانسان نابعة من الغدة الدرقية ، فاذا صار احدهم طبيبا و الآخر عاملا بسيطا فان ذلك يعود الى مقدار و نوع افرازات الغدة الدرقية في دم الانسان ، حيث تؤثر هذه الغدة في قراراته .
و يقــول الفيلســوف البريطاني المعروف ( براندراسل ) : انك انما تتطبع بما تأكل ، لان العناصر الكيمياوية الموجودة في انواع الاغذية ، تؤثر في مخ الانسان و قراراته و هكذا سلبت هذه النظريات الشركية قدرة القرار من البشر و اذا كان الانسان لا يستطيع انيقرر لنفسه قرارا ، فهو بمنزلة ريشة في مهب الريح ، لا يستطيع ان يتحمل مسؤولية ، اذا فهو غير مسؤول عن شيء .
اما الفكر اليوناني القديم فانه يعتقد بتعدد الآلهة ، فللحرب اله و للسلم اله ، و للمطر اله و للنور اله و للظلمة اله و هكذا .. و كان اليونانيون ينحتون اصناما و يتخذونها رمزا لتلك القوى التي كانوا يتصورون بان لها تأثيرا حتميا على اعمالهم و نفسياتهم وهكذا جردوا انفسهم عن مسؤولية اعمالهم حين نسبوها الى الآلهة و هكذا تربط آيات هذا الدرس بين المسؤولية و التوحيد فتبدأ بالنهي عن أكل مال اليتيم ( اشارة الى حرمة المال ) و تأمر بالوفاء بالعهد ( للتذكرة باحترام العهد ) و تأمر باحترام المال ، و احترام سمعةالناس و تحري الحقائق ، ثم تنهى عن الشرك بالله و تامر بتسبيح الله سبحانه ، و لعل محرمات هذا الدرس تسد ابواب الظلم ، و تضع قوانين اجتماعية تحافظ على حقوق الناس ، ابتداءا من حفظ حقوق الايتام ( و هم حلقة ضعيفة في المجتمع ) و احترام الكيل و الوزن و احترامسمعة الناس ، و ضرورة الوفاء بالعهود و ما أشبه .
|