فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
عبادة الله عصمة و هداية
[65] [ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ]
ان عبادة الله سبحانه و تعالى ، و الاتصال به عصمة للانسان لئلا يقع في حبائل الشيطان ان عبادة الله هدى في البصيرة ، و قوة في الارادة ، و غوث في الكربة و الذين يكفرون بالله و لا يتمسكون بحبله فان الشيطان يضلهم بغروره و يرهبهم بجيشه ، و يشاركهم في الاموال و الاولاد .
و هكذا لا يمكن لاحد ان يتخلص من براثن الشيطان ، من دون الاعتصام بحبل الله المتين .
و كما ان امضي اسلحة ابليس الاستفزاز بالصوت ، فان اعظم حصن للمؤمن هو الذي يقيه تضليل الناس .
و ذلك ببصائر الوحي و ضياء العقل ، و هكذا تكون الصلاة و الصيام و سائر العبادات وسيلة للتفكر السليم و مقاومة عوامل الانحراف الفكرية . و يفسر هذه الآية قوله سبحانه و تعالى في سورة النحل :
" فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، انه ليس له سلطان علىالذين آمنوا و على ربهم يتوكلون * انما سلطانه على الذين يتولونه و الذين هم به مشركون " ( النحل / 98 - 100 )( السلطان ) هو القدرة .
[ و كفى بربك وكيلا ]
من الطبيعي جدا ان ارادة الشيطان لا تستطيع ان تقف امام مشيئة الله ، لان وعد الله هو الحق و ان يعد الشيطان الا غرورا ، وقد وعد الله عباده بانه وكيلهم في صرف الشيطان عنهم ، و تقطيع مصائده و هدم مكائده .
ان مقاومة اسباب الانحراف في النفس تسير جنبا الى جنب مع التيار العام للخلق و الفطـــرة و الذي تمثله سنن الله و قوانين الطبيعة . اما الانحراف فهو السير ضد هذا التيار ، فلذلك فان الانحراف يحمل في جوفه عوامل انهياره ، حتى لو تذرع بالاساليب الملتوية منارهاب أو اغراء .
[66] [ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ]
هذه مقارنة بين غرور الشيطان و نعم الله ، فاذا كان الشيطان يرمي الى تلك المقاصد التي ذكرها الله ، فان الله سبحانه و تعالى ينقذ الانسان من براثن الشيطان و يساعده على تسخير الطبيعة حيث يزجي السفن في البحر لمصلحة البشر .
و الازجاء : هو الدفع و التحريك ، و لا يتم الازجاء الا بخلق عوامل مؤثرة تساعد على هذا الازجاء سواء بالريح التي تحرك المياه و تحدث الامواج أو بالقمر الذي يصنع المد و الجزر ، أو بخلق العوامل التي تساعد على تحريك السفن فوق سطح المياه .
[ لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما ]
فلم تزل السفن افضل وسيلة للتجارة ، و نقل فضل الله المتمثل في الوان البضائع من بلد الى بلــــد و بالرغم من تقدم الوسائل الاخرى للنقل البري ، كالطائرات و السيارات و القطار ، فان نسبة نقل البضائع عبر البحار اعظم من غيرها بما لا قياس . و بالاضافة الى ذلكفان البحار ستظل افضل و اعظم مصدر للطعام البشري الطيب .
[67] اسلوب القرآن الحكيم يعتمد على ابلاغ الحقيقة الى غور الفكر ، و عمق القلب ، بان يرفع الحجب التي بينه و بينها حتى يشاهد بذاته الحقائق . فهذا هو العلم الحق انه كشف و شهود و اتصال مباشر بين القلب و الحقيقة ( عبر جسر المعرفة ) . وهنا يذكرنا الربسبحانه : بذاته عبر منهاج وجداني يعتمد على رفع الحجب و شهود الواقع . و لعل الحديث التالي يبلور في نظرنا هذا الاسلوب .
جاء رجل الى الامام الصادق (ع) و قال له : يا بن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد اكثر علي المجادلون و حيروني .
فقال له : يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك و لا سباحة تغنيك ؟ قال : نعم .
قــــال : هل تعلق قلبك هنالك ان شيئا من الاشياء قادر على ان يخلصك من ورطتك ؟ قال : نعم . قال الصادق (ع) : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي ، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث . (1)[67] [ و إذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ]في لحظات الخطر يتذكر العبد ربه ، و يتعلق قلب الانسان بالله و ليس بذاته التي يعبدها أو بالطاغوت الذي يخضع له .
(1) بحار الانوار / ج 3 - ص 41
و هكذا يستدل بها الله على ذاته ، فلا احد منا يخلو من لحظات الحرج و الشدة ، حيث تحيط بنا الاخطار و نعرف بفطرتنا ان اولئك الآلهة المزيفة ، التي تعبد من دون الله لا تغني عنا شيئا فتتصل القلوب برب الارباب ، و تبدا بالمناجاة الحارة ، و يفتح الرب امامنا ابواب رحمته و تستقبلنا بشائر فضله و تنقذنا يد عونه و غوثه .
[ فلما نجاكم إلى البر أعرضتم و كان الإنسان كفورا ]فبدل ان يزداد شكرا تراه يزداد طغيانا و كفرا بنعمة الله ، ( و كفورا ) صيغة تدل على الاستمرار .
[68] [ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ]
اين تهرب من قدرة الله ؟! صحيح انه نجاك من هذا البحر الغاضب ، لكن من الذي يضمن لك ان لا تخسف بك الارض ، او ينفجر عليك بركان منها ، و هذه الآية اشارة الى امكان حدوث التغيرات الجيولوجية في اي لحظة .
[ أو يرسل عليكم حاصبا ]
الحاصب الريح المحملة بالحصى و ذرات الرمل .
عندما كانت قوافل العرب تسير في الصحاري التي تتحرك رمالها كانت الرياح تسوق كثبــان الرمل فتبتلع القوافل بما فيها و بمن معها ، و لعلهم كانوا يسمونها بالحاصب .
هذه طبيعة الانسان بدل ان يشكر ربه على النعم اولا و على خلاصه من البلاء ثانيا بدل ذلك يكفر .
[ ثم لا تجدوا لكم وكيلا ]
سبق و ان ذكر الله سبحانه بانه وكيل عن المؤمنين في دفع الشيطان عنهم ، و لكن من هو وكيل الكافرين في دفع الموت و الضرر هذه الآية تشير الى ضرورة الرجوع الى الله لانه القوي ، و لا قوة اعلى من قوته .
عندما ذكر الله اساليب الشيطان صغرها و بين ان عباد الله اقوى منها بفضل الله فاذا كان الشيطان يستطيع اغواء اتباعه فان الله قادر على اهلاكهم رأسا بان يغرقهم في اليم ، أو يخسف بهم الارض ، أو يرسل عليهم ريحا لا تبقى و لا تذر .
|