فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


أولا : ان الظلم ظلام القلب ، و حجاب و ظلمات يوم القيامة .
ثانيا : لان الظالم يفسق عن حدود الله ، و يعبد شهواته فانه يفسر آيات القرآن حسب اهوائه ، و بدل ان تد

ادة ، و لو لم يتبع هواه اذا لاهتدى الى الجادة .

[83] كيف لا ينتفع الظالمون من القرآن الا خسارا ؟

يبدو ان السياق يجيب عن ذلك في الآيتين التاليتين ، حيث ان الآية الاولى تبين طبيعة الانسان و التي لا تقضي استقبال النعم ، و الانتفاع بها اما الآية الثانية فتوضح اثر العادة في سلوك البشر و حيث ان ما تعود عليه الظالمون وهم سائر الناس غير المؤمنين من الذين انزل عليهم القرآن فلم يستجيبوا له اقول : ان سائر الناس قد جبلوا على الاعراض عند النعم ، كما انهم يعملون على الشاكلة التي ساروا عليها سابقا ،فلا يتركونها بسهولة الى القرآن ، بلى المؤمنون وحدهم يتجاوزون هذه الحالة ، و يرتفعون الى مستوى الايمان .

[ وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونئا بجانبه ]

قالــوا : بـان معنى الآية انه يعرض عن ذكر ربه عند النعمة ، و يبطر بها و يتولى ، فالآية حسب قولهم نظير قوله تعالى : " ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا و اذا مسه الخير منوعا " .

و لعل الاقرب الى السياق أن نقول : ان هذه الآية تبين صفة اخرى للانسان و هي الاستهانة بالنعم ، و عدم الاستفادة منها ، و عدم تقديرها حق قدرها ، و الاعراض هنا عن النعم ذاتها و ليس عن الله ، بلى ان الاعراض عن الله و عن نعمه ينبع من صفة واحدة ، ذلك لانمن يعرض عن ربه و لا يشكر نعمه ، و يزعم انما أوتي النعم بعلمه و جهوده ، بل يرى ان النعم جزء من ذاته ، و ان له طبيعة مميزة عن غيره بدليل انه خص دون غيره بالنعم فعنصره افضل من سائر الناس .

اقول ان مثل هذا الفرد يستهين ايضا بالنعم و يعرض عنها ، و بالتالي فان هاتين الصفتين تنتهيان الى طبيعة واحدة .

و لان الانسان يعرض عن النعمة ، و يتعالى عليها ، و يتولى بركنه ، و ينأى بجانبه ، فانه لا ينتفع بالقرآن الحكيم ، ولا يكون القرآن بالنسبة اليه شفاء ، و هذا اكبر ظلم ذاتي ان يترك المرء الاستفادة من اكبر النعم استهانة بها .

بلى يبذل المؤمن جهدا كبيرا حتى يستفيد من نعمة الوحي ، لانه يتواضع له ، و يسمع و يطيع و يقنت لله بخضوعه لكتابه ، فيكون الكتاب شفاء له ، و هكذا سائر النعم في الحياة .


أوليس العلم نعمة ، و لكن من الذي ينتفع به ، هل الذي يستهين به او يتعالى عليه أم الذي يقدره و يكرم مقامه .

و حتى الثمرة الناضجة لا ينتفع بها الا من يقطفها و ينظفها ثم يطعمها ، اما من يتولى عنها فهل يستفيد منها ؟!

[ و إذا مسه الشر كان يؤسا ]

لان الانسان يرى النعم من ذاته فانه يرى استمرارها ، فيتكل عليها ، فاذا زالت تصيبه الصدمة و ينهار لانه قد سقط متكأه و معتمده ، و هكذا يستبد به اليأس .

أما المؤمن فيشافيه الله بالقرآن الذي يكمل هذا النقص من طبيعة الانسان ، و يجعله يعتمد على الله ، و يلهمه الصبر و الأمل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس