فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الله يتجلى في كتابه
[111] لم تحر البشرية في مسألة كحيرتها في الرب ، لان عقل الانسان محدود فبالرغم من ان الله علمه الاسماء كلها ، قصر عن معرفة كنه وجود الله سبحانه ، إذ ان علمه و عقله ، و كل وجوده أقل من ان يحيط برب السماوات و الارض ، فكيف يحيط بكنهه و هو لم يحط بنفسهعلما . بل الاحاطة بكنه الطبيعة من حوله الا أن الله سبحانه ما ترك الانسان سادرا في حياته تلك ، فقد عرفه نفسه و تجلى له مرتين : مرة في آفاق العالم و مرة في نفسه عبر الذكر الحكيم . و آيات الذكر تذكرنا بآيات الطبيعة .


(1) البحار / ج 4 - ص 158

(2) نور الثقلين / ج 3 - ص 234


فنحن اذن أحوج ما نكون الى القرآن لكي نعرف ربنا ، و نعرف اسماءه الحسنى . و ان معرفة الله سبحانه اعظم فائدة يستفيدها الانسان من خلال قراءته للقرآن ، لو قرأها من دون حجاب بينه وبينها ، و هي بالتالي اعظم شهادة على صدق رسالات الرب .

جاء في الحديث المأثور :

" ان الله تجلى في كتابه لعباده و لكن الناس لا يبصرون "فهذا القرآن أنزل الله فيه ما لو نزل على جبل لفته فتا ، فقال : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله * و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " ( الحشر / 22 ) .

هذا هو حال الجبل الاصم من عبر القرآن و دروسه فكيف بالانسان .

[ و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ]

الحمد لله على انه لم يتخذ ولدا ، لعل أحد معاني هذه الكلمة انه سبحانه لم يفضل عنصرا على عنصر و لا جوهرا على جوهر الا بالتقوى ، مما اعطى للجميع فرصة التعالي اليه ، و الكمال بفضله ، و الآية تفضح ما يعتقده الوثنيون من ان لله اولادا هم الملائكة .

جاء في الحديث :

" الحمد لله الذي لم يلد فيورث و لم يولد فيشارك " .

و حيث نفي الولد ، نفي الشرك لان من لم يلد صمد الا جزاء ، فكيف يكون مولودا و من لم يكن مولودا لا يكون شبيها بشيء ، فلا كفو له و لا نه لا شريك له لاولي له من الذي ينصره لانه غني بذاته فكيف يستعين بغيره ..

[ و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل ]قيل ان هذه الآية جاءت ردا على اليهود و النصارى حين قالوا : اتخذ الله ولدا ، و على مشركي العرب حيث قالوا : لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك ، و على الصابئين و المجوس حين قالوا : لولا اولياء الله لذل الله . (1)و قد جاء في الدعاء المأثور : ( الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا ، و لم يكن له شريك في الملك فيضاده فيما ابتدع ، ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع ) . (2)لــم يكن عند الله شريك فيضاده أو يساعده ، لانه لو كان له شريك يضاده لتزعزع النظام ، و لو كان له شريك يساعده فالاول قوي و الآخر ضعيف فما هي حاجتنا الى الضعيف .

في الحديث المأثور عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي اتى ابا عبد الله (ع) و كان من قول ابي عبد الله (ع) " لا يخلوا قولك انهما اثنان من ان يكونا قديمين قويين ، أو يكونا ضعيفين أو يكون احدهما قويا و الآخر ضعيفا ، فان كانا قويين فلم لا يدفع كل منهما صاحبه و ينفرد بالتدبير ، و ان زعمت ان احدهما قوي و الآخر ضعيف ، ثبت انه واحد كما تقول للعجز الظاهر في الثاني ، فان قلت : انهما اثنان لم يخل من ان يكونــا متفقين من كـــل جهة أو متفرقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظما و الفلك جاريا ، و التدبير واحدا ، و الليل و النهار و الشمس و القمر ، دل صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على ان المدبر واحد ثم يلزمك ان(1) مجمع البيان .

(2) دعاء عرفة للامام الحسين (ع) مفاتيح الجنان .


ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فيلزمك ثلاثة فان ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين ، حتى يكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهى في العدد الى مالا نهاية له في الكثرة " . (1)ان ما يتوهمه المتوهمون هو مخلوق لهم ، مردود عليهم ، فالله لا يوصف بتمثيل ولا يشبــه بنظير فبدل ان يفكروا في ذات الله يجب عليهم ان يتفكروا في خلقه الذي يقودهم اليــه .

[ و كبره تكبيرا ]

ليس من الصحيح ان نقول ان الله اكبر من كل شيء ، فهل هناك شيء يحتمل ان يكون اكبر منه !؟ و انما نقول هذا الشيء اكبر من هذا الشيء لوجود تقارن بينهما ، و لكن الاصح ان الله اكبر من ان يوصف ، لا ان تقول الله اكبر من الشمس فهناك اذ ليست هنالك مقارنة بينهما ، كيف تضع الحقير المخلوق بجانب الخالق الكبير ؟! و لكن يمكنك ان تقول : ان الشمس اكبر من القمر .

جاء في الحديث عن ابي عبد الله (ع) قال لجميع بن عمير :

" اي شيء الله اكبر " ؟

فقلـت : الله اكبر من كل شيء ، فقال : " و كان ثم شيء فيكون اكبر منه " ؟ فقلت : فما هو ؟ قال : " اكبر من ان يوصف " (2) و جاء في حديث آخر : عن ابي عبد الله (ع) قــال رجل عنده : الله اكبر فقال : الله اكبر من اي شيء ؟ فقال من كل شيءفقال : حددته فقال الرجل : كيف اقول ؟ قال : قل الله اكبر من ان يوصف (3) .


(1) نور الثقلين / ج 3 - ص 238

(2) (3) نور الثقلين / ج 3 - ص 239


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس