فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
قصة أصحاب الكهف و الرقيم
[9] ان قيام هؤلاء لله و ثورتهم ضد الطغيان و تحريرهم لأنفسهم من ضغط المجتمع الفاسد ، و بالتالي نصرة الله لهم بطريقة غيبية ، لا يشكل شذوذا في سنن الله في الحياة ، و لا تثير عجبا ، لأننا نراها و نلمس آثارها في كل لحظة و في كل شيء ،و هي تدل على وجود حكمة في تدبير الكون و قوة قاهرة تجري تلك الحكمة .
فآثار القدرة و الحكمة الإلهية واضحة ، و اصحاب الكهف و الرقيم كانوا مجموعة بشر يعيشون مجمل هذه المعادلة الكونية الحكيمة ، اذن لا تعجب اذا جاءت يد الغيب و انتشلتهم من وهدتهم و حررتهم من اغلالهم .
[ أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من ءاياتنا عجبا ]يقول المؤرخون : انه حين قتل يزيد بن معاوية سبط رســـول الله ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) . و طاف برأسه البلاد كان الرأس يتلو من فوق القناة هذه الآية الكريمة . او تدري لماذا هذه الآية بالذات ؟ لعله لبيان تلك المعادلة الكونية و لكي لا يتعجب الناس كيف ان الراس الشريف يتلو القرآن .
و هكذا فان ذلك الراس المبارك يشير الى ان الكون يجري ضمن معادلة حكيمة من ابعادها نصرة المظلوم اذ ان نصرة المظلوم هي ضمن تلك المعادلة التي اجراها ربنا سبحانه و تعالى في كل ابعاد الكون .
و معنى هذه الآية هو : هل تحسب ايها الانسان ان ما جرى لهؤلاء هو شيء عجيب ؟ كلا ..
هناك آيات و حقائق تعودنا على رؤيتها ، و هناك حقائق لم نرها ، فأنت اذا دخلت مدينة لأول مرة قد تتعجب من لغة و عادات اهلها ، و بناء بيوتها و جسورها ، و نظام الشوارع و السيرفيها .. الخ ، و لكن اذا بقيت فيها لمدة سنة فكل شيء يغدو عندك آنئذ عاديا .
و المجتمع يبادل بعضه بعضا التعاون و العمل ، و الاحساس و الفكر ، فيبدو لنا ذلك الشيء طبيعيا جدا لأن هذه السنن حياتية ، حيث جعل الله الناس يحتاجبعضهم الى بعض ، و هذه سنة إلهية عظيمة و عجيبة ، و لكننا لطول الألف بها نراها عادية لا تثير فينا الإستغراب .
و الشمس كل يوم تطلع من هنا و تغرب من هناك ، و تجري بدقة و نظام ، هذه سنة عجيبة و لكننا تعودنا عليها حتى اصبحنا لا نهتم كثيرا لهذا الأمر ، اما اذا حدث كسوف كلي للشمس مثلا ، فأن الناس يظهرون اهتماما بالغا لهذا الحدث و يهرع العلماء الى مراصدهم و اجهزتهم العلمية لدراسة هذه الظاهرة .
و أن يحكم نظام طاغوتي في بلد ما و يخضع الناس له راضين بالواقع المنحرف ، هذا شيء ألفناه لكثرة حدوثه و انتشاره حتى اصبحنا نعده شيئا طبيعيا ، و لكن ان تتفجر ثورة إلهية و يقوم الثوار المجاهدون بأسقاط ذلك النظام الفاسد ليقيموا نظام الحق و العدل و الحرية ، فذلك يعد شيئا غريبا و ينظر الناس اليه على انه معجزة عجيبة بينما هو في الواقع سنة الهية كسائر السنن التي نألفها .
و ربما تشير هذه الآية الى ان الانسان عندما يرى حوادث و وقائع جديدة عليه ان يسمع بهـــا لأول مرة فلا يحق له ان ينكرها ، و يكذب بها ، لمجرد انه لم يألفها و لم يتعود عليها ، فعدم العلم بالشيء لا يعني العلم بعدمه ، و انما على الانسان ان يتأمل في سنن الله في الخليقة ، و ينظر الى عظمته و حكمته و قدرته ، و يؤمن بكل ما يصدر عن الله عز وجل من قول و فعل .
و القرآن يذكر لنا : ان الملائكة عندما بشروا ابراهيم (ع) بهلاك قوم لوط كانت امرأته قائمة ، فضحكت فبشروها باسحاق و من وراء اسحاق يعقوب فقالت : يا ويلتا ءالد و انا عجوز و هذا بعلي شيخا ؟ إن هذا لشيء عجيب . قالوا : اتعجبين من أمر الله ؟
و التعجب الذي ينهى عنه القرآن هو ذلك الذي يؤدي الى الإستنكار و عدمالتصديق ، اما التعجب بمعنى الأنبهار بعظمة الله و قدرته التي تتمثل في بديع خلقه و اتقان صنعه ، الذي يؤدي الى سمو الايمان و كمال التصديق فشيء حسن ، إذ ان كل خلق الله يثير العجب لدى التأمل و التفكر .
" أم حسبت أن اصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا " ؟!
الكهف هو الفجوة في الصخور الجبلية ، والرقيم هي الكتابة - حسب اقرب التفاسير - و تختلف التفاسير هل ان اصحاب الكهف هم اصحاب الرقيم ؟ أم ان اولئك طائفة اخرى ؟
و يشير حديث شريف الى انهم كانوا طائفة اخرى ، و لكن بعض المفسرين يذكـــرون ان كلمة الرقيم تدل على الكتابة التي نقشها قوم اصحاب الكهف على باب الصخرة ، و لذلك سموا بأصحاب الرقيم .
|