فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


حرية الانسان تتحدى
و مما يثير العجب في قصة اصحاب الكهف ، قدرة هؤلاء الفتية من البشر على الأفلات من اغلال الطاغوت ، و قيود الثقافة الفاسدة ، من دون رسالة ولا رسول . فنحن نعرف ان الله يبعث رسولا الى قوم يعظهم فيؤمن به جماعة و يكفر آخرون ، و لكن ان ينبعث ضمير نقي في مجموعة فتية يعيشون تحت ركام الخرافات و في ظل الظروف الفاسدة فيثوروا و يتحرروا !! ان هذه قضية تبدو غريبة و تثير العجب ، و لكن لدى التأمل الدقيق يتبين ان فطرة الانسان مهيأة لتمييز الأنحراف من الأستقامة ، و ان قدرة الله و نصرته تعين الانسان الذي يستجيب لنداء فطرته .

فكما ان الله يبعث رسولا ، و ينزل عليه الملائكة و الكتاب ، و يؤيده بروح منه ، كذلك اذا استجبت ايها الانسان لنداء فطرتك و اتبعت الحقيقة بعد ان عرفتها ، فان الله يزيدك هدى ويأخذ بيدك ، و هذه هي حكمة بيان قصة اصحاب الكهفحسبما يبدو ، فلا تقل انك لست برسول ولم ينزل عليك وحي ، ففيك من الفطرة الإلهية ما لو اتبعتها اعانك الله على ظروفك .

[10] [ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمة و هيء لنا من أمرنا رشدا ]لقد التجأوا الى الكهف حيث لم يجدوا في الأرض ملجأ ، و لم يكن هناك من يسمع كلامهم ، او يستجيب لهم فيعينهم ، فأضطروا الى تلك الوسيلة التي لم يكن امامهم غيرها .

و الانسان عندما تضطره الظروف للألتجاء الى كهف داخل جبل في منطقة معزولة قفراء ، فإن ذلــك يعني انه منقطع من كل اسباب القوة و الأمن ، و مفتقد لكل نصير و معين ، و هذا هو ما يحدث للذين يريدون ان يتحرروا من الأغلال ، و يثوروا على الأوضاع المنحرفة .


و حينما لم يجد فتية الكهف احدا في الأرض ينصرهم التجأوا الى رب السماء سبحانه ، و دعوا الله أن يعطيهم أمرين :

الأول : الرحمة اي الخير و التقدم ، و كل ما في الحياة من اسباب السعادة و الفلاح .

الثاني : ان يهديهم الى الطريق السوي ، صحيح ان فطرتهم اوضحت لهم ان طريق قومهم خاطئ ، و لكنهم لم يكونوا يعرفون الطريق البديل . و قوله تعالى :

" و هيء لنا من أمرنا رشدا " . يدل على ذلك .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس