فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


خرق السنن الطبيعية
[11] [ فضربنا على ءاذانهم في الكهف سنين عددا ]


ان الضرب على الاذان اشارة لطيفة الى ان أهم علامة للنوم عند الانسان هي ثقل اذنه ، و انقطاع سمعه ، و اما إغماض العين ، فليس كافيا لأن يدل على النوم ، اذ قد يغمض الانسان عينيه و هو مستيقظ ، و لكنه لا يمكن ان يقطع سمعه و هو كذلك .

هذا من جهة و من جهة ثانية باستطاعة البشر ان ينام يوما او يومين بدون أكل أو شرب ، بينما نجد هؤلاء قد ناموا سنين عديدة ، حتى انتهى العهد الفاسد ، و هكذا كانوا يبدون في مظهر الأموات ، و لذلك يقول القرآن :

[12] [ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ]فشبه ايقاظهم ببعث الموتى ، بسبب طول فترة مكوثهم نياما ، و لكن لماذا بعثهم الله يا ترى ؟

ذلك لكي يرى الناس أنه قوي قدير ، و ان حزب الله هو الغالب ، اذ ان هناك حزبان فقط في ساحة الحياة مهما اختلفت العناوين و الاسماء ، حزب المستكبرين الراضين بحكم الظلم و الجور ، و الآخر هو حزب الله الثائرين على الظلم و الجور .

و حــزب الله لا يملكون الا انفسهم في البداية ، حتى انهم يضطرون للإلتجاء الى الكهف ، أو كما في عصرنا الى العمل السري أو الهجرة من البلاد ، و هذا دليل انقطاعهم عن الوسائل المادية .

حينما نقارن بين اصحاب الكهف و بين الحكومة الطاغوتية آنذاك ، حيث كان الملك و اعوانه يملكون القوة و الهيبة و السلطان و كل الوسائل المادية ، نجد ان كفة اصحــاب الحـق هي الراجحة بالرغم من ذلك لأن الطواغيت كانوا يسيرون على طريق الخطأ ، ولم يستطيعوا انيحموا ما كانوا يملكون بينما نجد اولئك الذين لم يكونوا يملكون شيئا الا انفسهم و إرادتهم ، حموها بالإيواء الى الكهف اولا ، و من ثمكسبوا الجولة في ساحة الصراع .

اما التفسير الظاهر للأحصاء في الآية فهو معرفة عدد السنين التي مكثوها في الكهف . و على هذا التفسير يكون المراد من الحزبين هما الفريقان الذين اختلفوا في عدد السنين التي قضوها في النوم كما تشير الأحاديث التالية .

هذا هو الموجز لقصة أصحاب الكهف ، أما التفصيل فتتعرض له الآيات القادمة ..

[13] [ نحن نقص عليك نبأهم بالحق ]

القرآن يقص الأنباء بالحق فهو أولا : يذكر الأنباء صحيحة ، و ثانيا : يهدف من ورائها اهدافا سليمة ، اي عندما تورد الآيات القرآنية قصة فأنها تستهدف من ورائها تكوين حكمة صحيحة في ذهن الانسان ، و اقامة حكم الحق في العالم ، و ثالثا : ان مجريات القصة تتطابق مع السنن الحق في الحياة وهذه الأبعاد الثلاثة موجودة في كل قصة من قصص القرآن .

[ إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى ]

ان هؤلاء الفتية بشر ولم يكونوا رسلا ، و لكنهم آمنوا بربهم و تحرروا من ضغط الجاهلية فأيدهم الله ، و كذلك كل انسان في العالم يملك ارادة التحرر ، و عندما يضعها موضع التنفيذ فان هدى الله يأتيه و يؤيده .

و في الأحاديث إن هؤلاء لم يكونوا كلهم شبابا و لكن القرآن سماهم فتية ، لأن الفتى أقدر على التغيير و الثورة ، و على ان يبدل مسيرته و منهاجه ، و القرآن يتحدث عن هذه الثورة في الآية التالية ، و يبدو ان كلمة الفتى تشير إلى من يملك الفتوة و هي الرجولة والبطولة و الشجاعة قال ابو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) لرجل " ما الفتىعندكم ؟ فقال له : الشاب ، فقال : لا ، الفتى : المؤمن ، إن اصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله فتية بأيمانهم " (1)[14] [ و ربطنا على قلوبهم إذ قاموا ]

اي ثاروا و انتفضوا ، و لكن لماذا يقول و ربطنا على قلوبهم ؟

ذلك لأن الانسان الذي يريد أن يتحرر من ربقة الطاغوت يرى - في بداية أمره - القضية غامضة ، ثم يتقدم قليلا فتتضح معالمها أمامه ، و لكنه لا يملك القدرة الكافية على الصمود و المقاومة ، فهنا يزيده الله ارادة و عزيمة ، و يربط على قلبه حتى لا يتردد ، و يستمر في ثورته متحررا من الخوف .

ان بداية القيام أن تنطلق أنت ، و لكن بعد ذلك تجري حلقات النهضة بطريقة متتابعة و بتأييد الهي ، اي ان الله سبحانه و تعالى يتولى أمرها فيزيد الثائرين وضوحا في الرؤية ، و يقوي معنوياتهم ، و يوفر للثورة اسباب النجاح سواء بطريقة عادية او غير عادية .


[ فقالوا ربنا رب السموات و الأرض ]

هذه الكلمات الثورية الشديدة القاصفة كالرعد لا تصدر عادة الا عن رسول ، و لكنها صدرت عن هؤلاء بتأييد الله ، اي بعد ان ربط على قلوبهم .

ثم يعلنون انهم عازمون على المضي في الثورة و عدم النكوص ..

[ لن ندعوا من دونه إلها ]


(1) نور الثقلين / ج 3 - ص 245


و كلمة " لن " تدل على الابدية ، أي مستحيل علينا أن نرجع الى واقعنا الفاسد ، ثم يذكرون سبب ذلك :

[ لقد قلنا إذا شططا ]

أي ان عودتنا الى افكارنا و اقوالنا السابقة هي ضلال و انحراف و شذوذ .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس