فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[21] يذكرنا القرآن بحقيقة يجب أن نعتبر بها من خلال قصة أصحاب الكهف ، و هي حقيقة البعث و النشور التي يلخصها الحديث القائل : " كما تنامون تموتون و كما تستيقظون تبعثون " ، و اذا فكر الانسان بأنه قادر على مقاومة الموت فليبدأ ذلكبمقاومة النوم ، و اذا أراد الانسان ان يعرف كيف يبعث بعد ان يموت فليفكر كيف يستيقظ بعد ان ينام ، و اذا اراد الانسان آية تدل على ذلك فلينظر الى الحياة كلها ، فالحياة جميعا موت وبعث .

البعث في الحياة ليس شيئا بدعا ، فكل شيء في الحياة له بعث ، و في الانسان نفسه دليل على البعث ، كيف كان نطفة في صلب أبيه ، ثم في رحم أمه ، ثم ولد طفلا رضيعا ، ثم نما فأصبح رجلا ضخما قويا أو ليس ذلك بعث ؟

و هذه الأرض تراها مرة فينزل الله سبحانه عليها ماء من السماء ، فإذا به تهتز و تخضر ، ثم لا تلبث هذه الخضرة أن تموت و تصبح هشيما تذروها الرياح . هذه قصة الحياة كلها . أو يكون صعبا على خالق هذه الحياة أن يحيي الناس بعد موتهم ؟!

هذا مع العلم بأن عقولنا القاصرة الصغيرة تعتقد بأن الإحياء بعد الموت أسهل عند الله من الإحياء بعد العدم ، و هذه المعادلة خاطئة بالنسبة الى قدرة الله عز وجل ، لأن قدرة الله لا متناهية ، و هو لا يبذل مجهودا ولا يتعب حتى يكون عنده شيء أسهل من شيء آخر، و لكن بحسب مفاهيمنا و خبراتنا الحياتية ان إعادة صنع شيء أيسر من ابتداء صنعه و اختراعه ، فكيف نؤمن بأن الحياة لم تكن ثم كانت و لا نؤمن انها بعد اندثارها ستعود ثانية ؟

لذلك علينا ان نستفيد من قصة اصحاب الكهف هذه العبرة .

[ و كذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق و أن الساعة لا ريب فيها ]نستطيع ان نستخلص من هذه الآية ثلاثة أمور :

أولا : صدق وعد الله لعباده المؤمنين الصالحين بالنصر ، حيث نصر اصحابالكهف حين حماهم من بطش الطغاة ، و نصر رسالة اصحاب الكهف حين أباد أولئك الطغاة و حكم الصالحين في البلاد ، و جعلهم خلفاء و أئمة .

ثانيا : اراد الله سبحانه أن يعرف الانسان أن الأمور بيده ، و أنه قادر على ان يفعل ما يشاء من الأمور التي يتصور الانسان انها مستحيلة ، و هي كذلك فعلا حسب قدرة المخلوق المحدودة ، أما حسب قدرة الله المطلقة فهي سهلة و ميسورة ، وذلك مثل قضية البعث و الإحياء .

ثالثا : ان العلم و الجهل ، و الهدى و الضلال ، انما هو من قبل الله سبحانه و تعالى ، فخلال هذه الفترة الطويلة فتش الناس عن اصحاب الكهف الذين كانوا موجودين في منطقة قريبة جدا منهم ، بدليل أن ذلك الرجل الذي بعثوا به ليشتري الطعام نزل من الكهف و توجه الى المدينة من فوره ، الا أنهم لم يجدوا لهم أثرا ، ولكن الله أعثر عليهم عندما اراد أن يعلموا بالأمر ، فالعلم و اسباب العلم من الله سبحانه .

و الســـؤال ما هي العلاقة بين ان يكون وعد الله حقا ، و ان تكون الساعة لا ريب فيهــا ؟

الجواب : ان الساعة تدخل ضمن وعود الله ، فقد وعد بها الصالحين و توعد بها المجرمين ، و نحن نستطيع أن نبصر ذلك من خلال مجريات الأمور في الحياة ، و من خلال تدبرنا في احداث التاريخ ، و ان الله حينما يعد فأنه يفي بوعده في الدنيا ، و حينما وعد ان ينصر الصالحين فعل ، و حينما وعد ان يستخلف المستضعفين فعل ، و حينما وعد ان يعين المتوكلين عليه فعل ، و الله سبحانه صادق الوعد ، و ما دام كذلك فأنه يوم القيامة ايضا يفي بوعده .


زيارة القبور :

وقف هؤلاء على باب الكهف ، و وجد ان أولئك الذين كانوا الى ساعة قريبةاحياء ، قـــد ماتوا حينما شاء الله ان يموتوا ، فالحياة و الموت بيد الله ، فوقفوا مدهوشين : كيف بقي هؤلاء احياء هذه الفترة الطويلة ؟ و كيف ماتوا فجأة ؟

[ إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ]ماذا نفعل بهم ؟ كيف نمجدهم ؟ كيف نبقي ذكرهم حيا في النفوس ؟

[ قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ]

اتخد الملك و حاشيته و الذين كانوا غالبين على أمر الناس ، قرارا ببناء مسجد على مقابل تلك الطلائع الثائرة .

ونتوقف هنا قليلا لندخل في حوار مع بعض المفسرين ، فالمؤمن يجب ان يظل ذكره حيا في النفوس لأنه قدوة حسنة ، و القرآن الحكيم يبين دائما قصص الأنبياء و يمدحهم من أجل ان يجعل منهم قدوات حسنة للأجيال ، و من آثار المؤمن قبره ، لذلك يستحب شرعا أن يزور المؤمن المقابر .

ان أفضل عمل نقوم به عند مقابر المؤمنين هو ان نتعبد الله سبحانه و تعالى هناك ، و ان نقرأ القرآن و نتذكر الموت ، و يعظ أحدنا الآخر ، و نجدد ذكرى هؤلاء و نبين رسالتهم التي عملوا لها و ماتوا من أجلها و نصلي لله ، أو ليس من الأفضل أن نصلي لله ركعات و نبعث بثوابها الى أرواحهم .

و حينما نريد ان نجعل بيننا و بين الأموات من المؤمنين و الشهداء رابطة ، أو ليست أعمـال الخيـر و البـر ، و الصلاة ، و الدعاء ، و تلاوة القرآن و ما اشبه خير رابطة ؟! بلى من هنا يذكرنا القرآن في هذه الآية : " ان الذين غلبوا على أمرهم " ( و يبدو أنهم كانوا من المؤمنين ) قالوا : لنتخذن عليهم مسجدا نتعبد فيه الله ، و نتذكر القيامة ، و نتذاكر سيرتهم ، و القرآن يوحي لنا بأن هذا العمل عمل مشروع ، بدليل انه ذكرهو لم يستنكره او ينهى عنه .. كيف ذلك ؟

اقرأوا القرآن و تدبروا فيه ، لتعلموا ان هذا الكتاب الذي أرسله رب حكيم لا يتكلم الا بميــزان دقيـق ، و هو لا يذكر لنا قصة تاريخية و لا عملا قام به الأولون الا لأحد أمرين : أما لكي ينهى عنه أو لكي يأمر به ، فاذا لم ينه عنه فهو يأمر به .

و هذا رد حاسم على البعض الذين يفتون بأن زيارة قبور الأنبياء و الأئمة المعصومين (ع) و الصالحين ، و الصلاة و التعبد في مقاماتهم الشريفة ، بدعة و ضلالة و حرام ، و نحن نتساءل : من الذي قال أنه كذلك ؟

ان القرآن في هذه الآية بالذات يبين لنا ان هذا العمل كان جيدا و مشروعا ، و القرآن جاء ليطبق لا لكي يناقش في آياته حسب الآهواء ، أو حتى حسب الأحاديث غير المعروف صحتها و وثاقة سندها ، ثم ان الحديث مهما كان موثق السند ، فإنه لا ينسخ القرآن ، و الحديثالذي يتضارب مع القرآن لابد ان نضرب به عرض الحائط !


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس