فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


من عوامل النسيان
[63] [ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ]

أي أتذكر حينما جلسنا عند الصخرة التي كانت في طريقنا لنستريح قليلا .

[ فإني نسيت الحوت ]

وضعته هناك و لم أجلبه معي ، و لكي يبرر هذا الواقع الذي فعله النسيان قال :

[ و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره و اتخذ سبيله في البحر عجبا ]لقد نسي الفتى قصة الحوت ان يبينها لموسى عليه السلام ، و كيف أتخذ سبيله في البحر سربا .

[64] و يبدو أن علامة موسى لمعرفة مكان العالم . كانت هي بالذات حياة الحوت . و انطلاقه في البحر سربا ، و هكذا قال موسى عليه السلام :

[ قال ذلك ما كنا نبغ ]


اي ذلك المكان هو بغيتنا و هدف رحلتنا .

[ فارتدا على آثارهما قصصا ]

اي عادا على ذات الطريق و هما يبحثان عن الآثار .

و قبل ان نتابع قصة موسى مع العالم في الدرس القادم دعنا نتدبر في موضوع النسيان الذي يتكرر في هذه الآيات .

في آية سبقت بين القرآن قضية مهمة فقال : " و لا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله و اذكر ربك اذا نسيت و قل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا " و في هذه الآيات نجد قوله تعالى و ما انسانيه الا الشيطان و هاتان الآيتان صريحتانفي ان الشيطان ينسي ، و الله يذكر ، فما معنى هذه الفكرة ؟

ان فكر الانسان يشبه مصباحا كامل الضياء ، ليس بحاجة للوقود و لكن هناك حواجز هي التي تسد منافذ هذا الضياء ، فما هي تلك الحواجز ؟

أنها مجموعــة عوامل مادية تقوم على أساس اهتمام الانسان بزينة الحياة الدنيا و متاعها ، و قد يكون فتى موسى (ع) و هما يمشيان على البحر قد انشغل بزينة البحر ، أو ببعض الأشياء العجيبة التي رآها في الطريق ، المهم أن انجذاب الانسان الى الطبيعة و خضوعه لها هو من أسباب النسيان ، و الحياة مليئة بالجواذب و الشهوات التي يدعمها الشيطان ، ولكن ذكر الله يطرد هذه الشهوات ، و يعين على ضغط الجواذب و يزكي النفس من العقد التي يكرسها الشيطان ، و ذكر الله بالتالي هو عدو النسيان ، لأنه يحطم تلك الحواجز التي تغلف قلبالانسان .

و حينما تتذكر الله و قدرته و هيمنته على الكون ، يعود اليك توازنك و تعود الى نفسك تلك الارادة المفقودة ، و تعود الى عقلك معرفتك بأنك أقوى من الطبيعة ،و أسمى من زينة الحياة الدنيا فلا يجب ان تستسلم لها .

وهكذا فان القرآن الحكيم يحدثنا في سورة الكهف عن زينة الحياة الدنيا من جهة ، و ضـرورة التسامي عليها من جهة ثانية ، و من أبعاد التسامي و فوائده في ذات الوقت هو : التذكر و عدم النسيان ، لأن الانسان المستسلم لحياة الدنيا و زينتها يفقد فكره ، بل يفقدحتى الحياة نفسها ، فحب الشيء يعمي و يصم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس