فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


إنك لن تستطيع معي صبرا
هدى من الآيات

مـن مظاهر اعجاز القرآن الحكيم ، ان آياته تتحدث عن أشياء عديدة في وقت واحد ، فالآية الواحدة مثال لقدرة الله في الكون ، و لعلم الله بالأمور ، و هي تبين مختلف الابعاد للحقيقة الواحدة ، أو مختلف الحقائق للحياة .

و سورة الكهف اذ تحدثنا عن علاقة الانسان بالحياة ، فانها تحدثنا أيضا عن علم الانسان ، وقد يبدو هذان الأمران في هذه السورة غير منسجمين أو حتى مختلفين ، بينما الحقيقة هي ان علاقة الانسان بزينة الحياة الدنيا و موقفه السليم منها ، ينشأ عن علم الانسان بحقيقة الدنيا ، فلو عرف الانسان ظاهرا من الحياة فقط استبد به الغرور ، و زعم بأن هذا الظاهر الذي يراه هو الحقيقة ، بينما لو تعمق قليلا و وصل الى جوهر الحياة الدنيا لعرف مدى تبدلها و تغيرها ، و ان مخبرها غير ظاهرها ، و لذلك جاء في الحديث : " الدنياتغر و تضر و تمر " .

و جاء أيضا : " كل ما في الدنيا ان تسمعه خير من أن تراه " .


و هكذا الحديث عن الدنيا يستتبع العلم و الهدى ، لان هدى الانسان و معرفته للحقائق معرفة عميقة و شاملة يدعوه الى أن يتخذ موقفا سليما من زينة الحياة الدنيا ، و ليس موقف الغرور و التسليم المطلق .

و في قصة موسى (ع) مع ذلك العبد الصالح الذي جاء في الأحاديث أنه الخضر (ع) يكتشف لنا جانب من هذه الحقيقة .

فموسى (ع) كان نبيا ، و كان عارفا بالأحكام الشرعية الظاهرة ، الا أنه يحث عمن هو أعلم منه ليتعلم منه الخلفيات ، أو حكم الأحكام العامة و الخاصة .

و خلال تلقيه الدروس كان ينتفض أمام بعض الحوادث التي يراها و لا يتحملها ، فعندما ركبــا في السفينة أخذ الخضر معولا و ثقب به جدارها ، فاذا بالماء يتدفق الى داخلها ، و عندما صادفا شابا في طريقهما حمل عليه الخضر فقتله ، و في نهاية المطاف وصلا الى بلدةوجد فيها الخضر بناء متداعيا ، فبذل مجهودا كبيرا في ترميمه ، و لم يطلب مقابل ذلك من القوم أجرا برغم ما بدر منهم من سوء استقبال و اعراض عن الضيافة ، و كان وقع هذه الحوادث على موسى من الشدة بحيث كان الزمام يفلت منه كل مرة ، و ينسى شرط الصبر الذي التزم به .

أن انتفاضة موسى امام الاعمال التي قام بها ذلك العبد الصالح ، لدليل على ان الانسان لا يحتمل مجرد احتمال ان وراء علمه هذا مساحات مجهولة أخرى لم يبلغها و لم يتوصل اليها ، ان مجرد هذا الاحتمـــال يجعل الانسان رزينا ، حليما ، هادئا ، لا يتأثر بالمظاهرفقط ، و انما ينظر الى العمق أيضا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس