فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


شيخ الانبياء و قومه
[25] و يضرب القرآن أمثالا عديدة يقارن فيها بين الفريقين ، و عاقبـــة كل واحد منهما ، كما يبين من خلال هذه الأمثال - حقائق أخرى تمت التذكرة بها فـــــي بداية السورة - .

[ و لقد أرسلنا نوحا الى قومه إني لكم نذير مبين ]

الملاحظ بالتدبر في هذه الآية ان نوحا ارسل الى قوم كان منهم ، و كان ذلك ابلغ في بيان الرسالة لهم ، و ابعد عن العصبية ، كما أن أهم بنود دعوته كان الانذار ، و هو ابلغ أثــرا في النفوس باعتبارها قد فطرت على الدفاع عن الذات ، و ابعاد كل مكروه محتمل ، والانسـان مفطور على الدفاع عن ذاته اكثر مما هو مفطور على جلب المنفعة لهــا .

[26] و خلاصة دعـوة نوح و هدف رسالته كانت عبادة الله وحده ، و نبذ الشركاء ، و حين ينبذ الشركاء تسقط السلطة السياسية ، و المنهاج الاقتصادي و الثقافي و السلطة الاجتماعية و كل ما يقوم على أساس عبادة الأوثان و الشركاء .

[ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ]ان مجـرد الخوف من ذلك اليوم الذي ينشر فيه العذاب حتى يصبح اليوم ذاتــه أليما . حيث ان كـــــــل لحظاته تصبح ميعـــــادا للعذاب ، اقول : ان مجرد الخوف من ذلكاليوم يكفي البشر دافعا نحو الايمان بحثا عن الخلاص .

[27] اما جواب قومه فقد كان متوغلا في التحجر و المادية والطبقية .

فأولا : زعموا بأن صاحب الرسالة يجب ان يكون من غير البشر ، و كأن البشر هو المخلوق العاجز عن حمل الرسالة ، و هذا نوع سخيف من التحجر الجاهلي .

و ثانيا : قاسوا الرسالة بمن يحملها أو من يبادر بالايمان بها . ولم ينظروا اليها ذاتها باعتبارها قيم فاضلة ، و دعوة الى العدالة و الهدى ، و هذا نوع من المادية و تشييء القيم .

ثالثا : نظروا الى تابعي الرسالة من المستضعفين نظرة ازدراء بسبب تكبــــرهم و طبقيتهم .

[ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا و ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ]الملأ هم الاشراف و علية القوم ، و لأنهم كفروا بالرسالة شأنهم شأن اغلب الذين هم من طبقتهم كذلك يعتبرون فاسدين ، و كان من الصعب عليهم الخضوع لمن هو مثلهم ، دليلا على انحطاط نفوسهم ، و انعدام الثقة فيها ، فنعتوا المؤمنين بأنهم من الطبقة الدنيا ، و أنه من ينظر اليهم يعرف منهم هذا النعت ( بادي الرأي ) .

[ و ما نرى لكم علينا من فضل ]

غافلين عن ان الرسالة ذاتها فضل كبير .

[ بل نظنكم كاذبين ]


و كان هذا الفريق يتبعون الخيال و الظنون ، ويرمون الأفكار الجديدة التي تخالف مصالحهم بأنها كذب . انطلاقا من عنجهيتهم و تكبرهم .

[28] و اجاب نوح (ع) على شبهاتهم :

أولا : بأنه على بينة من ربه ، فهو بالرغم من بشريته فأنه يملك ما لا يملكون و هو الهدى ، و الحجة من ربه عليه .

ثانيا : ان المال الذي يفقده يعوض بما يؤتيه الله من رحمته الواسعة ، التـي هي اهم من المال . اذ ان الثروة لا تحل كل المشاكل بعكس رحمة الله التي تقضي على اكثر الصعاب .

و ثالثا : ان ظنهم الفاسد بكذبه (ع) ، آت من عماهم ، و عدم تفكرهم الجدي ، و في هذه الحالة لا يجبرهم نوح على الرسالة ، و هذا الكلام قد يكون ردا على قولهم :

[ و ما نرى لكم علينا من فضل ]

حيث كانوا يزعمون : ان الرسول كالملك ، يجب ان يملك قوة مادية قاهرة تفرض على الناس خطا معينا ، بينما الرسول جاء من أجل الهداية التي لا تأتي من دون الأختيار و الحرية .

[ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي و اتاني رحمة من عنـــده فعميت عليكــــم ]اي خفيت هذه البينة ، و ربما البينة هي الصراط السوي أو الحجة الواضحة .

[ أنلزمكموها و أنتم لها كارهون ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس