فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
و ما آمن معه إلا قليل

[40] ان تلك اللحظة التي كان أبناء الرسالة يتوعدون بها ، و كان الكفار يستهزؤون بها قد حانت اليوم و اصبحت الحقيقة التي انذرت بها الرسالة واقعا لا مهرب منه ، فلقد أصدر ربنا أمره ، و فار الماء من التنور الذي يبقى عادة بعيدا عن الماء ، و امر الله رسولهنوحا بان يحمل معه في السفينة من كل حي زوجين اثنين ، و ان يحمل أهله الذين لم تسبق عليهم كلمة العذاب بسبب كفرهم كزوجته و ابنه ، و ان يحمل معه الذين آمنوا و هم قليلون .

[ حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول و من آمن و ما آمن معه إلا قليل ]في الحديث المأثور عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

" كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دير قبلة ميمنة مسجد الكوفة قال : قلت فكيف بدأ خروج الماء من ذلك التنور ، قال : نعم ان الله احب ان يري قوم نوح آية آية ، ثم ان الله سبحانه أرسل عليهم المطر يفيض فيضا ، و فاض الفرات فيضا ، و فاضت العيون كلها فيضا فغرقهم الله و انجى نوحا ومن معه في السفينة ، فقلت : فكم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء فخرجوا منها ؟ فقال : لبث نوح في السفينة سبعة أيام و لياليها " (1)(1) بحار الانوار ج 11 ص 333 رقم 56


[41] و حين ركب نوح و قومه الصالحون السفينة تجلت عندهم روح الايمان الخالص ، و توكلوا على ربهم متذكرين اسمي الغفران و الرحمة - لله - فبمغفرته يحط ذنوبهم و برحمته ينزل عليهم بركاته و فضله .

[ و قال اركبوا فيها بسم الله مجراها و مرساها ]

فكل شيء في الكون موجود بالله و قائم بالله ، و يتحرك أو ينمو أو ينطق باسم الله . بيد ان هناك حوادث يتجلى فيها التدبير المباشر لله تعالى أكثر ، مثل سفينة نوح التي صنعها بأمر الله دون أن يعرف منذ البدء ابعاد العملية ، و لا يعرف أين تجري السفينة ، و اين تقف و في أية فترة ، انما توكل على الله فيها ، لعلمه انها في اطار تدبير الله و هيمنته المطلقة على الكون .

[ إن ربي لغفور رحيم ]


بعدا للقوم الظالمين :

[42] و بين لحظة و اخرى تحولت الصحاري الى بحار مواجة ، وتلاطمت الامواج الهائلة و كأنها جبال متحركة ، و لاحظ نوح ابنه واقفا في معزل عن الناس فناداه ليركب معه ، و ربما أخذته شفقة الأبوة أو رحمة النبوة ، و لكن الابن السيء الحظ رفض لانعدام توكله على الله ، و لاعتماده على المادة الجاهلية ، بسبب تعلقه السابق بها ، و قال سوف التجئ الى جبل يحفظني من الطوفان .

[ و هي تجري بهم في موج كالجبال و نادى نوح ابنه و كان في معزل يا بني اركب معنا و لا تكن مع الكافرين ]كان ابن نوح و يقال ان اسمه كنعان ، من جملة الذين اعتزلوا المعركة الساخنة بين الحق و الباطل ، و اراد الا يتدخل في القضايا الرسالية ، شأنه شأن الكثير من الجبناء الذين لا يملكون شجاعة الاقدام في سبيل الله . بيد ان مثل هؤلاء سوفيكونون مع الكفار لان الايمان وحده هو الذي ينقذ البشر .

[43] [ قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم و حال بينهما الموج فكان من المغرقين ][44] بين عشية و ضحاها تبدل وجه الارض و هلك القوم الظالمون ، و اذا بهاتف الحق ينادي : ( يا أرض ابلعي ماءك ) ، فعادت مياه الارض التي تفجرت ينابيع الى مخازنها تحت الارض ، و تقشعت السحب التي كانت تسيل ماء بأمر ربها ، فأقلعت عن الانهمار و غاض ماء الارض، و تحولت بقية المياه الى الانهار و البحار كما جاء في حديث ، و انتهت القصة كلها ، حيث استقرت السفينة على أرض مرتفعة .. و خلت الارض من الظالمين الذي لعنوا و طردوا منها بقدرة الجبار .

[ و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي ]

أي توقفي قال البعض أن الماء الذي سال من السماء بقي فوق الارض لان الله قال للارض ابلعي ماءك ، و لم يطلق بالقول الماء ، بيد ان هذا القائل ينسى ان كل المياه في الواقع من الارض .

[ و غيض الماء ]

و هبط الماء أو رسب في الأرض .

[ و قضي الأمر و استوت على الجودي ]

لقد نفذ أمر الله بهلاك الظالمين ، و نجاة المؤمنين ، و تحقيق الجزاء لكلا الفريقين في عاجل الدنيا .

[ و قيل بعدا للقوم الظالمين ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس