فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[96] الانبياء " عليهم أفضل الصلاة و السلام " يأتون الى الناس لكي يستأدوهم ميثاق فطرتهم ، و يثيروا في انفسهم دفائن العقول . و لا يحتاج الانبياء الى أن يأتوا الى الناس بسلطان مبين ، اي معجز خارق ، و لكنه مع ذلك ترى ان رحمة ربنا سبحانه و تعالى ، تأبى إلا ان تتم الحجة على العباد بصورة قاطعة . و لا يعذبهم الا بعد ان تتم الحجة عليهم كاملة . و لذلك يقول ربنا :
[ و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان مبين ]
ذلك السلطان كان الثعبان الذي ابتلع حبال اولئك السحرة ، مما دعى السحرة اصحاب الحبال ، الى ان يسجدوا الى رب العالمين ، و يؤمنوا باله موسى و هارون كما كان السلطان ايضا ، اليد البيضاء التي كانت لموسى " عليه الصلاة و السلام " معجزة خارقة .
و لكن فرعون الذي ارسل إليه موسى و إلى ملأه الذين أحاطوا به ، رفض الرسالة .
[97] [ إلى فرعون و ملأه فاتبعوا أمر فرعون ]
اتبع اولئك القوم امر فرعون الذي كان يعبد من دون الله و لم يكن امر فرعون قائما على أساس العقل و لا على أساس التجربة ، انما كان قائما على اسـاس الهوى و الشهوات . و كم يكون الانسان ظالما لنفسه حين يتبع من لا يتبع إلا شهواته . فاذا كانت الشهوات هي مقياس الطاعة ، فاولى بك ان تتبع شهواتك من ان تتبع أهواء الآخرين .
المقياس في الطاعة للغير هو ان يكون ذلك الغير اكمل عقلا ، و افضل تجربة . اما اذا كانت اوامره اوامر طائشة ، قائمة على اساس الانعكاسات المرحلية الآنية ، و لم تكن قائمة على خطة عقلانية ايمانية سليمة ، فكيف يمكننك ان تطيعه .
يقول ربنا :
[ فاتبعوا أمر فرعون و ما أمر فرعون برشيد ]
[98] لماذا ؟ ..
لأن فرعون لم يكن يرى الحياة إلا محدودة باطار الدنيا ، لم يكن يعلم شيئا عن الحياة الآخرة ، لذلك فان كل افكاره ، و كل قراراته كانت خاطئة . لان فهمه الاساسي للحياة كان فهما خاطئا .
لذلك تراه يقود قومه الضالين الى النار ، و بئس ما يقودهم اليه .
[ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار و بئس الورد المورود ][99] اوردهم في نار لا رحمة فيها ولا نعمة فيها ولا راحة فيها ولا نهاية لها . نار حرها شديد و قعرها بعيد و نورها ظلام و الواردون فيها حطبها و وقودها .
بالاضافة الى العذاب المادي المباشر الذي كان فرعون سببا له ، عرض قومه الى عذاب اخر هو عذاب السمعة المفقودة ، و اللعنة التي ظلت تلاحقهم الى الأبد ، و ها هو القرآن نقرأه بعد ألوف السنين من هلاك فرعون و قومه ، و هو يلعنهم .
أفليس في ذلك عبرة ..
[ و ا تبعوا في هذه لعنة ]
في الحياة الدنيا .
[ ويوم القيامة ]
ايضا اللعنة تلاحقهم ، بالاضافة الى العذاب .
[ بئس الرفد المرفود ]
تلك كانت الآثار المادية " الورد المورود " .
هذه هي الآثار المعنوية " الرفد المرفود " .
اذن ينبغي ان لا يطيع احد امر من لا يرشد بل يغويه و يضله .
[100] [ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم و حصيد ]هذه القرى التي لا تزال قائمة ، سوف لا تبقى إن كانت ظالمة لنفسها . أما تلك القرى التي حصدت و انتهت ، حصدت كما يحصد الحقل فلا يبقى منها شيء ، تلك القرى ذهبت لتورثنا عبرتها .
عبرة القرى :
[101] عبرة القرى التي حصدت هي ما يقول تعالى في الآية التالية :
[ و ما ظلمناهم و لكن ظلموا أنفسهم ]
عبرة تلك القرى ان ربنا سبحانه و تعالى ، وفر الحياة الكريمة السعيدة لهم . وفر فرصة الهداية ، و في المنعطفات الخطيرة التي كانت تهددهم ، أرسل ربنا اليهـــم المصلحين ، و بذل هؤلاء المصلحون كل ما بوسعهم ، فبشروا و انذروا و حذروا و ذكروابالآيات و أثاروا فيهم دفائن العقول .. و كل شيء كان بامكانهم فعلوه الا اجبارهم على الهداية ، فلم يستجب اولئك لفرصة الهداية ، فعاندوا و تحدوا و استكبروا و ظلمــوا أنفسهــم .
و اساس ظلمهم و انحرافهم هو انهم اتبعوا الآلهة التي تعبد من دون الله ، و هذه الآلهة لم تغن عنهم في لحظة الحسم و ساعة العذاب الشديد شيئا ..
[ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ]أمر الله لم يكن مدفوعا و لا مرفوعا عنهم بسبب الآلهة .
[ و ما زادوهم غير تتبيب ]
أنما زادت الآلهة الطيب بلة و العذاب شدة .. هلاكا و تبابا .
[102] [ و كذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه اليم شديد ]و كانت عبرة القصة كلها تتلخص في امرين :
الاول : ان أخذ الله شديد . في قوته ، أليم في مدى تأثيره ، و لا يجوز لنا ان نستهين بأوامر الله ، و نستخف بعقابه .
[103] [ ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود ]الثاني : ان عذاب الدنيا على شدته و عظيم المه ، دليل المؤمنين الى عذابالآخرة ، الأشد و الألم .
و إن المــؤمن يهتدي بما في الدنيا من ألم الى يوم الجزاء الاكبر حيث يجمع الناس ، كلهم ، و يشهده الناس و الملائكة و علينا ان نعيش بوعينا ذلك اليوم الرهيب لنتقيه اشد التقوى .
|