بينات من الآيات [11] جاء اخوة يوسف الى أبيهم و طرحوا عليه سؤالا محرجا .
[ قالوا يأبانا مالك لا تأمنا على يوسف و إنا له لناصحون ]يبدو ان يعقوب كان يخفي عنهم علمه بحسدهم ليوسف لكي لا يسبب ذلك اعطاء شرعية لهذا الحسد ، و لكن كان يباشر أمور إبنه الصغير بنفسه ، و لا يدعها عند إخوته - و من هنا كان السؤال محرجا - إذ أدعى أخوة يوسف ان قلوبهم صافية تجاه أخيهم !
وعلى نبي الله الذي جاء رحمة لعباده ألا يقول لمن القى اليه السلام لست مسلما . لهذا رد عليهم يعقوب بلطف ، و لم يقل أنه لا يثق بهم - و هو لم يكن يثق بهم فعلا - .
[12] ثم بعد ان هيؤوا الجو طالبوا أباهم بأن يثبت لهم عن حسن ظنه بهم ، و يبعث بيوســف معهـم في اليوم الثاني ليفرجوا عن همهم ، و يتمشوا في الصحراء و ليلعبــوا .
[ أرسله معنا غدا يرتع و يلعب ]
ثم أكدوا له أنهم سوف يتولون حراسته و حفظه .
[ و إنا له لحافظون ]
[13] فبرر يعقوب عليه السلام ابقاء يوسف عنده لأنه شيخ كبير ، يستأنسبيوسف ، و يحزن لغيابه عنه ، كما قال : بأنه يخشى عليه من الذئب ، و بين لهم انه قد يحدث ذلك و هم عنه غافلون ، فلا يمكنهم الوفاء بوعدهم لعدم قدرتهم على ذلك .
[ قال إني ليحزني أن تذهبوا به و أخاف أن يأكله الذئب و أنتم عنه غافلون ]جاء في الحديث ان اخوة يوسف لم يخططوا لأبعاد المؤامرة جميعا ، بيد أن يعقوب عليه السلام أعطاهم بأقواله تبريرا لفعلهم ، فعرفوا أن المنطقة يرتادها الذئاب ، و ان بامكانهــم ادعــاء الغفلة - و هكذا - مما يدل على ضرورة التحذر في الحديث مع الكاذب .
[14] عادوا و أكدوا بشرفهم و بعصبتهم انهم سوف يحافظون على يوسف ، وقالوا كيف نسمح لأنفسنا ان يتلطخ شرفنا بهذا العار ، فلا نستطيع ان نحافظ على أخينا الصغير من الذئب انها خسارة لسمعتنا الغالية .
[ قالوا لئن أكله الذئب و نحن عصبة إنا اذا لخاسرون ][15] فذهبوا بيوسف و اجمعت ارادتهم و عزائمهم على أمر واحد هو جعله في داخل البئر . دون ان يلقوه في مائها ليغرق ، بل ليلتقطه بعض السيارة - كما اوصاهم أخوه لاوي - .
[ فلما ذهبوا به و أجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب ]هناك ادركته رحمة ربه حيث جاءه الوحي يبشره بأنه منصور ، و انه سيأتي يوم بعيد تكون الايام قد انست هؤلاء فعلتهم القبيحة ، فيخبرهم يوسف بهذا الأمر الفضيع و هم لا يشعرون .
[ و أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون ]و بالرغم من ان محنة يوسف قد ابتدأت منذ تلك اللحظة إلا ان يد الغيب هرعت اليه لتكون بديلا عن حماية اخوته الخائنين به ، و هكذا تشتد الامور لتتفرج باذن الله ، و يأتي بعد العسر يسر من فضل الله .
جاء في الحديث عن الامام الصادق (ع) قال :
" لما القى اخوة يوسف في الجب نزل عليه جبرائيل فقال له : يا غلام ! من طرحك هنا فقال : اخوتي لأبي لمنزلتي من أبي حسدوني ، و لذلك في الجب طرحوني ، فقال : أتحب أن تخرج من هذا الجب ؟
قال : ذلك إلى إله إبراهيم و اسحاق ويعقوب ، فقال له : جبرائيل : فان إله ابراهيم و اسحاق و يعقوب يقول لك : قل : " اللهم إني اسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات و الارض ، يا ذا الجلال و الاكرام ، أن تصلى على محمد و آل محمد ، و ان تجعــل لــي من أمري فرجا و مخرجا ، و ترزقني من حيث احتسب و من حيث لا احتسب " .
فجعل الله له من الجب يؤمئذ فرجا و مخرجا ، و من كيد المرأة مخرجا ، و آتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب " (1)[16] و لنترك يوسف تحوطه يد الرحمة الالهية ، و تربيه في غيابت الجب ، و يأتي احد اخوته بطعام له ، و لنعد الى البيت حيث نجد يعقوب ينتظر بفارغ الصبر عودة ابنه الحبيب ، و يتأخر إخوة يوسف أكثر من العادة ، فلما أسدل الليل ستارة جاؤوا الى أبيهم لعل ظلام الليل يغطي بكاءهم الكاذب .
(1) مجمع البيان ص 217 - ج 5
[ و جاؤوا أباهم عشاء يبكون ]
[17] و قبل ان يسألهم يعقوب عن يوسف الذي لم يجده بينهم بادروه بالكلام .
[ قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ]و لكن بسبب كذبهم و عدم ايمانهم بما يقولون بدرت منهم كلمة اظهرت مــا اخفوه فقالــوا :
[ و ما أنت بمؤمن لنا و لو كنا صادقين ]
و لـو كانوا صادقين فعلا لكانت الشواهد الواقعية هي التي تكشف عن صدق حديثهم ، و لم يكونوا بحاجة الى هذا الكلام .
[18] و ذبحوا ذبيحة لطخوا قميص يوسف بدمهم ، ناسين أن دم البشر يختلف عن دم الحيوان حتى بعد تخثره ، و الخبير يميزه بسهولة ، كما أنهم نسوا تمزيق قميص يوسف مما عرف ان العملية كذب باعتبار الذئب لا يخلع ثوب ضحيته ثم يأكله .
[ و جاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ]و جاء في الحديث :
" ان يعقوب قال حينما رأى القميص : لقد اكلك ذئب رحيم ، أكل لحمك و لم يشق قميصك " (1)و جاء في حديث آخر :
(1) المصدر
" تنبه يعقوب على أن الذئب لو أكله لمزق قميصه ، لذلك لما ذكرهم بذلك قالوا : بل قتله اللصـــــوص ، فقــال : فكيف قتلــوه و تركوا قميصه و هم الى قميصه احوج منهم الى قتله " (1)من هنا عرف يعقوب ان كيد اخوة يوسف قد احاط به ، فقال :
[ فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون ]
اي أصبــر صبـرا جميلا بالاستعانة بالله فيما اصابني من خيانة ابنائي بي و بأخيهم ، و كذبهم علي و تآمرهم ضدي .
(1) المصدر
|