فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

بينات من الآيات
فارسلوا واردهم

[19] كم بقي يوسف في الجب ؟

ثلاثة أيام أم أكثر ، و ماذا كان طعامه ؟ هل كان يأتيه أحد اخوته بطعامه أم كان يكتفي بالماء ، أم أن جبرائيل كان ينزل عليه الطعام لا ندري بالضبط ! انما المهم ان الله سبحانه هيأ اسباب نجاة يوسف و تأديب اخوته ، فجاءت قافلة سيارة ربما كانت تجارية ، فأرسلوا واحدا منهم يرد الماء قبل الآخرين على عادة القوافل ، خشية مفاجأة غير سارة ، فلما أرسل دلوه في البئر تعلق به يوسف ، فنظر فاذا هو بغـــلام ما أجمله فاستبشر به خيــرا .

[ و جاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام ]لقد كان يوسف في غاية الحسن حتى جاء في الحديث عن النبي (ص) : " أعطي يوسف شطر الحسن و النصف الآخر لسائر الناس " . (1)ولم يبد الوارد للسيارة انه قد التقطه من البئر لكي لا يجري عليه حكم اللقيط بل اتخذه بضاعة و كتم الحقيقة عن رفاقه ، بيد أن الله يعلم أن يوسف ليس عبدا ، و هو يحافظ على حريته ..


(1) ميزان الحكمة ص 428 رقم 19317


[ و أسروه بضاعة و الله عليم بما يعملون ]

[20] باعوا يوسف بثمن قليل ، دراهم معدودة لقلتها ، و انما يعد الشيء القليل ، و زهدوا فيه بالرغم من حسنه المفرط ، و ربما السبب محاولة التخلص منه مخافة ان يفضحهم ، و يبين انه ليس بعبد فيخسرون حتى هذا الثمن القليل .

[ و شروه بثمن بخس دراهم معدودة و كانوا فيه من الزاهدين ]كانت ملامح العبد و صفاته النفسية تختلف عن ملامح يوسف الذي كان كما يقول الرسول فيما روي عنه : " الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم " . (1)لذلك زهد فيه الناس ، و لكن لننظر عاقبة هذا الغلام الذي ينبذه اخوته في البئر و يزهد فيه السيارة ، كيف يصبح سيدا و رئيسا .


التمكين :

[21] جاؤوا بيوسف الى مصر حيث اشتراه سيد مصر و مليكهم ليكون مساعده في شؤونه ، أو من ولده و ولي عهده .

[ و قال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه ]

أي اجعل مكانته كريمة و سامية عندك ، فلا تستخدميه كأي عبد آخر ، بل حاولي أن تربيه و تكلفيه الاعمال الهامة .

[ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ]


(1) بح 12 ص 218


وهكذا أصبح الغلام الطريد الذي زهدوا فيه إبنا لعزيز مصر ، و هكذا مكنه الله في الارض ماديا ، أما معنويا فسوف يعلمه من تأويل الاحاديث حتى يعرف عواقب الأمور ، و سنن الحياة و أنظمة الكون .

[ و كذلك مكنا ليوسف في الأرض و لنعلمه من تأويل الأحاديث و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ]يزعم الناس أن حوادث الزمان تجري على غير هدى ، و لا يعلمون ان وراء ما يسمى بالصدف ارادة حكيمة ، و وراء ما يسمى بالانظمة و السنن الطبيعية تدبير رشيد من الله سبحانه ، و هكذا يشاء تدبير الله أن يزهد في يوسف قوم فيشتريه عزيز مصر ، كما يشاء تدبيره الا يقتل بل يوضع في غيابت الجب ، و أن تكون أول قافلة تجارية تمر من هناك متجهة الى مصر ، و هكذا تتلاحق ما يسمى بالصدف ، و الاتفاقات حتى يصبح يوسف سيد مصر .

[22] شب يوسف و بلغ سن الرشد ، و أتاه الله النبوة و العلم بسبب إحسانه .

[ و لما بلغ أشده ]

يبدو لي ان بلوغ الأشد هو بلوغه سن الرشد .

[ آتيناه حكما و علما ]

الحكم هي السلطة الالهية التي تتجسد في النبوة ، بينما العلم هو فقه الاحكام الشرعية و ما يتصل بها من متغيرات الحياة .

[ و كذلك نجزي المحسنين ]

فلان يوسف أحسن الى الناس و تحمل الصعاب من أجلهم ، فالله بعثه رسولااليهم لان أهم صفة يحتاجها الرسول بعد الطهارة و الصدق هي حب الناس ، و الاحسان اليهم .

[23] طلبت امرأة العزيز من يوسف الفاحشة ، و هيأت وسائلها بتزيين نفسها ، و سد الأبواب ، و دعته الى نفسها صراحة .

[ و راودته ]

المراودة : المطالبة بأمر بالرفق و اللين ليعمل به .

ان امرأة العزيز لم تكتف بافساح المجال امام يوسف كما هو شأن المرأة بالنسبة الى الرجل ، بل طالبته بأنواع الدلال و الغنج والخضوع بالقول و الزينة ، و استخدمت في ذلك سلطتها عليه باعتبارها سيدة البيت الذي يعمل يوسف فيه ، لذلك قال ربنا عنها :

[ التي هو في بيتها عن نفسه ]

أي طلبت منه أمرا صادرا عن نفس يوسف ، و بتعبير آخر : طلبت منه الانتفاع بنفس يوسف لا بخدمته كما كان المفروض في مثل حاله .

[ و غلقت الأبواب و قالت هيت لك ]

أي تعال فالفرصة مهيأة لك .

و لكن يوسف رفض بشدة و بلا تردد .

[ قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ]

ان الله هو الذي أكرم على يوسف بالجمال و العافية ، و هو الذي هيأ له المكانةفي بيت العزيز و ليس العزيز أو امرأته . لذلك لا ينبغي له أن يكفر بنعمة الله ، و يفعل الفاحشة ، كما انه لا يفلح من يفعل الفاحشة ؛ لأنه ظالم لنفسه ، منحرف عن الرشاد .

[ إنه لا يفلح الظالمون ]

فبالرغم من إغراء الفاحشة في الظاهر فانها سيئة العاقبة .

ان التحرر من سلطة المالك ذي القوة كان عظيما عند يوسف بقدر التحرر من إغراء جمال زليخا و دعوته الى نفسها بذلك الاصرار ، و لكن الاستعاذة بالله و تذكر نعم الله الواسعة على الفرد ، كما ان تذكر العاقبة يعطي القدرة على مقاومة كــل إغــراء و كل تهديد .


و هذا - أفضل عبرة نستفيدها من هذا الدرس - .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس