بينات من الآيات نفحات الأمل [83] لماذا اتهم يعقوب ابناءه بالكذب بعدما اخبروه بواقع ما جرى عليهم من احتجاز السلطات لأخيهم بتهمة سرقة صواع الملك ، و قال لهم بعدما اخبروه : [ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ] اي ان اهواءكم زينت لكم فكرة آمنتم بها إنطلاقا من الهوى لا العقل لماذا ؟ أولا : ان اخوة يوسف (ع) كذبوا اول مرة و كانت تهمة الكذب اقرب اليهملسوء سابقتهم في الخيانة . ثانيا : ان اتهام السرقة الى اخيهم بمجرد وجود السقاية في وعائه ، كان نابعا من استصغارهم له ، و عدائهم الدفين له و لأخيهم يوسف . ثالثا : ان تذليل اخيهم و التعصب لأنفسهم في مواجهته كان هو السبب لسرقته لو انه ارتكبها . و لكن يعقوب (ع) تسلح بالصبر الجميل لمعالجة سوء اخلاق ابنائه ، و عنصريتهم المقيتة حتى ضد اخيهم الأصغر سنا منهم . [ فصبر جميل ] اي عندي صبر جميل استعيض به عن مكركم ، و ما تسوله لكم انفسكم ، فلا اجزع لشدة البلاء ، فافقد رشدي و قوة احتمالي ، و لا اتردد في أن البلاء سيزول بأذن الله ، و لا انطوي على نفسي بسبب المصيبة و اترك العمل انتظارا لزوال المصيبة بذاتها او بطريقة غيبية ،و بالتالــــي اضيف عامل الزمن ( الصبر ) الى سائر عوامل النجاح حسن التدبير - السعي - التوكل حتى ينصرني ربي ، و يدل على معنى الجمال في الصبر السياق القادم . يقول ربنا على لسان يعقوب : [ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ][84] و ترك ابناءه موقتا ، و لكنه اثار فيهم عواطف الأبناء لوالدهم العجوز و قد انهكته المصائب فابيضت عيناه حزنا .. [ و تولى عنهم و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن ]يبـدو ان استمــــرار الكآبة افقد يعقوب قدرته على الرؤية . فتحول سواد عينه الىبياض شأنه شأن كبار السن ، و لا يجب ان يكون ذلك بسبب البكاء وحده . اذ ان الحزن المكبوت الذي يكظمه صاحبه قد يكون أشد أثرا على البشر من البكاء لذلك قال ربنا : [ فهو كظيم ] اي يحفظ نفسه من آثار الحزن التي تظهر عليه ، و منها فقد توازنه بأبعاد ابنائه عن نفسه و الأسراع في عقابهم دون انتظار تربيتهم و هدايتهم . تأثير البكاء على القلب القاسي : [85] يبدو ا ن قلب ابناءه القاسي بدأ الان يلين لوالدهم الحزين فجاؤوا اليه يواسونه ويطلبون منه التقليل من الحزن للأبقاء على صحته لكي لا يكون فاسد الجسم او هالكا . [ قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف ] اي اننا نقسم عليك بالله الا تستمر على ذكر يوسف فتعجل مرضك او موتك . [ حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] الحرض المشرف على الهلاك . [86] و لكنه قال : كلا ان عاقبتي ليست الهلاك او المرض بل سوف ابلغ هدفي لان اعتمادي على الله ، و لاني اعلم عن تعبير رؤيا ولدي يوسف . اني سوف اراه ذا شأن كبير . و هذا الأمل يحدوني الى الضراعة الى الله لتعجيل الفرج علي . [ قال إنما أشكوا بثي و حزني إلى الله ] البث هو ما ظهر من الحزن . [ و أعلم من الله ما لا تعلمون ] |
|