آفاق القرآن [1] [ المر ] الرموز في بداية السورة تشير الى احد معنيين : انها رموز بين الله و بين عباده المخلصين ، أو انها اشارة الى القرآن ذاته أو كلاهما ، فنحن قد نقول كلاما نقصد به معنى واحدا و لكن الأديب قد يقول كلاما يقصد به معنييـــن ، و لكن رب العزة قد يوحي بكلام يقصد به سبعين معنى ، و كذلك جاء في الحديث : " كتاب الله على أربعة أشياء : على العبارة و الاشارة و اللطائف و الحقائق ، فالعبارة للعوام ، و الاشارة للخواص و اللطائف للأولياء ، و الحقائق للأنبياء " (1)[ تلك آيات الكتاب و الذي أنزل إليك من ربك الحق ] لابد أن تعرف ان الذي أنزل اليك هو الحق - كل الحق - . لم يقل الله " والذي انزل اليك من ربك حق " بل قال : الحق - فالالف و اللام تعطي معنى الاستغراق - اي لا يوجد حق في غير القرآن . [ و لكن أكثر الناس لا يؤمنون ] يكرر الله سبحانه في كثير من الآيات هذا المعنى : ان القليل من العباد الشكور ، و القليل من العباد المؤمنون ، و ان تتبع اكثر من في الارض يضلوك و هكذا .. (1) البحار - ج 92 - ص 103 لماذا ؟ يتكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن لان الانسان بطبيعته الضعيفة ، و انعدام ثقته بنفسه لا يتبع عقله دائما ، بل يتبع الناس و يقول : حشر مع الناس عيد ، فلكي يجعلنا القرآن ننظر الى آفاق السماوات و الأرض بلا حجاب يبعدنا عن الضغوط الاجتماعية التي تكبل عقلالانسان اذا في البدء اقطع العلاقة التبعية لكي تكون شخصية مستقلة ثم فكر في ذلك لأن مفتاح العقل التحرر . حقائق كونية : [2] [ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ] جاء في الحديث في تفسير علي بن ابراهيم القمي في حديث طويل عن الامام الرضا (ع) عن هذه الآية : قال : " فثم عمد و لكن لا ترونها " (1) و الله اعلم ما هذه العمد . كل تصورنا حتى الآن عن هذه العمد ، أنها ربما تكون تعادل قوى الطرد و الجذب بين الكواكب و النجوم فمثلا : ان قوة الطرد الناشئة من دوران الارض حول الشمس تساوي بالضبط قوة الجذب للشمــس ، فعلــى ذلك تبقى الارض ملايين السنين في مدار واحد ، اما لو تغيرت احدى هاتين القوتين لحدث ما لم يكن في الحسبان فلو زادت قوة الطرد لانفلتت الارض على المجهول في خط مستقيم ، و لو زادت قوة جذب الشمس للارض لالتصقت الارض بالشمس لأنها ستضطر في النهاية لأن تسير في مسار حلزوني ، و لنشبه هذا المثال بما يلي : أنت تمسك بطرف حبل في يدك و الطرف الآخر للحبل مشدود به قطعة حجر .. (1) تفسير نور الثقلين - ج 2 - ص 481 حاول أن تدير الحجر ، ماذا يحدث ان الحجر يريد الانفلات ، فلا الحجر ينفلت ، ولا هو يلتصق بيدك ، لأن كلا القوتين متساويتين ، و لكن هب أنك تركت طرف الحبل الذي بيدك ، انك تجد الحجر ينفلت ، و هب انك أثناء تدويرك للحجر تلف الحبل بيدك ستجد بعد قليل ان الحجرقد التصق بيدك . ربما هذا التفسير يكون تفسيرا للعمد - و الله أعلم : [ ثم استوى على العرش ] ان الله سبحانه لم يخلق الحياة كساعة ميكانيكية تجري لحالها ، بل أنه خلقها ، ثم استوى على العرش يدبر أمرها ، فحتى حركتك انت انما هي بارادة ، فكيف بالسموات والارض ، فالله وراء كل شيء يجري في الكون و مدبره . هناك أحاديث عن العرش تصور بأنه مخلوق ، والواقع ان عقلي يقف عند هذه الأحاديث تلــك التي تصفه أنه فوق الكون و أكبر منه ، و أنه على الماء و هذا معنى العقل : ان تقف عند حدودك ، و لا تقف بما لا تعلم . كما قال الرسول صلى الله عليه وآله في وصيته لأبي ذر : " يا أبا ذر : اذا سئلت عن علم لا تعلمه ، فقل : لا اعلمه ، تنجى من تبعته و لا تقف بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة " (1)[ و سخر الشمس و القمر كل يجري لأجل مسمى ] ان الله سخر الشمس و القمر لأهداف معلومة و الى وقت معلوم لذلك لا نتطرق الى هذه الأهداف ، و لكن الذي يهمنا شيئان : (1) بحار الانوار - ج 77 - ص 78 الشــيء الاول : ان الشمس و القمر لفظان يدلان على العموم مما كان من جنسهما ، و هذا يعني حتى الارض ، و ربما أن الله سبحانه ذكر هذين الاثنيــن للاشارة الى ابناء الارض . و لا يمكن تحديد ذلك الوقت بالدقة الا أن عمر الشمس و القمر يقدر بأعمار الكواكب و النجوم ، و على كل حال ، ان شمسنا هذه أصبحت كهلة بالنسبة الى بعض الشموس الاخرى . يقول احد العلماء أن ( النجم ) يمر من مرحلة الى أخرى عملا بقوانين التطـــور الطبيعي ، و لانه كان يتطور فانه يهرم ، و قد يستغرب القارئ قولنا : ان النجم يهرم ، فمنذ ان كانت البشرية لم يسمع احد بأن النجم القطبي ينازع ، أو أن قلب العقرب يلفظ انفاسه ! ومع ذلك فان هذا ما يحدث في الواقع ، فكل نجم اذ يلمع يشع طاقة ، كأي كائن حي خلال حياته ، و اذا افلح بطريقة ما في تجديد طاقته فان هذه الطاقة تنضب اخيرا ، و يكون هذا النضوب سريعا بقدر ما يفرط به ، و يأتي وقت لا محالة - تنفذ فيه جميع وسائله - . فاذا نظرنا الى الشمس نلاحظ انها شتت في الفضاء بشكل اشعاعات كهروطيسية مختلفة طاقة تبلغ ( 000 و 380 ) مليار مليار كيلو واط ، و هذا ما يكفي لحمل مياه المحيطات كلهـا على الغليان في ثانية واحدة ، و تعجز مخيلتنا عن تصور أرقام بهذا المقدار ، و لكنهــا تحملنا على الاعتقاد بأن هذا التبذير لن يمكن الشمس من ان تعمر طويلا ، و لو كانت مؤلفة من الفحم الصافي لكانت قد تحولت منذ زمان طويل الى رماد ، و لكن ما يغذي الشمس بالطاقة ليس وقودا كيميائيا عاديا ، و هي تدين باشعاعها لتفاعل زخمي حراري دائم ، كما هو معلوم. بقى كلمة و هي ان هذه الآية تشير الى ان الزمن جزء من الطبيعة . [ يدبر الأمر يفصل الآيات ] ان الله يفصل الآيات لنا ، و يقصها علينا ، و لكن ما هو الهدف ؟ [ لعلكم بلقاء ربكم توقنون ] اليقين هو أعلى درجات الايمان . |
|