فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات
اولوا الالباب

[19] [ أفمن يعلم أنما أنزل إليك ربك الحق كمن هو أعمى ]

هناك موقفان من القرآن :

الموقف الأول : هو الموقف المعترف بالحق الكامل المتجسد في القرآن .

الموقف الآخر : هو المتعامي عن القرآن الحق ، فالقرآن حق به يبصر قوم و يعمى آخرون ، و القرآن لا يتأثر بعمى قوم و إبصار آخرين ، لأن القرآن حق ثابت ، و نحن الذين نتطور بالقرآن و السؤال من الذي يهديه الله الى القرآن ؟ الجواب :

[ إنما يتذكر أولوا الألباب ]

لماذا خص من يستفيد من القرآن باصحاب العقول لأنه لا يعرف القرآن و لا يستفيد منه الا من نمى عقله و أخضع سلوكه لعقله . و تجاوز هواه و شهواته ، و جدير بالقرآن ان يفهمه مثل هؤلاء الرجال و هم اولوا العقول .

ما هي صفات اولى الالباب و اصحاب العقول الذين ضبطوا أنفسهم ضمن أطار العقل .


الصفة الأولى :

[20] [ الذين يوفون بعهد الله ]

عهد الله على الانسان في عالم الذر عندما قال : " و اذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى أن نقولوا يومالقيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون " (172 -173 / الاعراف )و جاء في القرآن قوله : " الم اعهد اليكم يا بني آدم الا تعبدوا الشيطان أنه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم " ( 60 - 61 / يس )عهد الله هو طاعته و تجنب معصيته ، فبعد الألتزام بعهد الله سبحانه على الانسان بالطاعة ، تأتي بقية الصفات .


الصفة الثانية :

[ و لا ينقضون الميثاق ]

الوثاق هو الرباط ، و الميثاق : عقد مؤكد بيمين أو عهد ، وموثق الله هو ما أخذه على جميع البشر أن يعبدوه و يوحدوه ، و قد جاء في الروايات ان موثق الله هو موالاة اوليائه ، وقد أخذ الله على كل الناس موثقا فقد أخذ موثقا عاما كما قال : " و اذكروا نعمة الله عليكم و ميثاقه الذي واثقكم به " ( 7 / المائدة )و أخذ على بني اسرائيل موثقا آخر كما قال : " و اذا اخذنا ميثاق بني اسرائيل ألا تعبدوا ألا الله و بالوالدين إحسانا و ذي القربى و اليتامى و المساكين و قولوا للناس حسنا و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة " ( 83 / البقرة )وقد أخذ الله على النبيين ميثاقا أيضا : " و اذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أقررتم و أخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين " ( 81 / آل عمران )


و لموثق الله معنيان أولا : طاعة الله كما قال : " و إذ أخذنا ميثاق بني اسرائيل " كما سبق ، ثانيا : تجنب معصية الله و الافتراء عليه : " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق " ( 169 / الاعراف )الصفة الثالثة :

[21] [ و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ]

ما أمر الله به أن يوصل هو الرحم ، وقد جاء في الحديث عن زين العابدين (ع) أنه قال لإبنه الباقر (ع) :

" يا بني اياك و مصاحبة القاطع لرحمه فاني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع قال في البقرة : " الذين ينقضون عهد الله مــن بعــد ميثاقــه و يقطعون ما أمر الله به ان يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون " (1) - و الحديثطويل - .

و قد تظافرت النصوص بحيث لا تقبل الشك لكثرتها و تواترها : ان ما امر الله به ان يوصل هم أهل البيت ، و لكن لا يعني ان الآيات لا تنطبق على كل رحم كما جاء في الحديث عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله (ع) :

[ الذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل ]

فقال :

" نـــزلت فـي رحم آل محمد صلى الله عليه و آله ، و قد يكون في قرابتك ، ثم قال :


(1) تفسير نور الثقلين - ج 2 - ص 45


فلا تكونن ممن يقول للشيء أنه في شيء واحد " (1)الصفة الرابعة :

[ و يخشون ربهم ]

خشية الله هي الضمان الحقيقي من الانحراف كما قال : " و لا تخشوهم و اخشوني " و الخشية من الله هي الخوف من ان يصب علينا عذابه ، و يأخذنا على حين غرة ، و قبل أن نبادر بالأعمال .


الصفة الخامسة :

[ و يخافون سوء الحساب ]

يبدو أن الفرق بين الخشية و الخوف ، ان الخوف أقل من الخشية كما قال العلامة الطباطبائي (2) في الميزان : و الظاهر ان الفرق بين الخشية و الخوف ، ان الخشية تأثر القلب من إقبال الشر او ما في حكمه ، و الخوف هو التاثر عملا بمعنى الاقدام على تهيئة ما يتقىبه المحذور و ان لم يتأثر به القلب ، ولذا قال سبحانه في أنبيائه : " و لا يخشون أحد الا الله " (3) فنفى عنهم الخشية عن غيره ، و قد اثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه كقوله : " فأوجس في نفسه خيفة موسى " ( 67 / طه )و قوله : [ و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ] ( 58 / الانفال )و سوء الحساب هو : ان لا تقبل حسناتهم ، بل يؤخذون بسيئاتهم ، و قد جاء في(1) تفسير الميزان - ج 11 - ص 349

(2) تفسير الميزان - ج 11 - ص 343

(3) الاحزاب / 39


معنى سوء الحساب أنه : هو الاستقصاء و المداقة ، و سمي سوء الحساب لهوله و شدته كما جاء في الحديث :

" ما من عبد انصبته للحساب الا هلك "

أن المؤمن يخاف من احصاء سيئاته فلا تغفر ، و تعد حسناته فلا تقبل .


الصفة السادسة :

[22] [ و الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ]

فاذا انت أوكلت أمرك لله سبحانه فستجد أن الله يعينك على ما صبرت عليه ، و ما أجمل الصبر اذا كان الله وراءه ، و لكن لماذا الصبر ابتغاء وجه الله ؟

لان الله سبحانه هو الذي يبتلى الانسان . اما ليختبره كما قال : " احسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله ما في قلوبكم " او يبتليهم بما كسبت أيديهم لينقيهم و يصفيهم من الذنوب ، فاذا صبرت و احتسبت فأجرك على الله ، فهذا يدل على صدق الايمان كما ، يدل على رضى الانسان بقضاء الله و قدره .


الصفة السابعة :

[ و أقاموا الصلاة ]

القيام بالصلاة غير إداء الصلاة ، وإقامة الصلاة مشروطة بالعزم و الاهتمام بسائر شروط و مواصفات الصلاة .


الصفة الثامنة :

[ و انفقوا مما رزقناهم سرا و علانية ]


الانفاق بالسر ضد الرياء ، و الانفاق في العلن تحد لمن لا يريد منك الانفاق ، أو تشجيعا للانفاق .


الصفة التاسعة :

[ و يدرؤون بالحسنة السيئة ]

معاملتهم مع الناس ليس معاملة البغض و العداوة ، بل معاملة العطاء ، فهم لا يصعدون الصراع مع الناس ، بل يحاولون احتواء البغضاء بالحلول الهادئة ، و الدرء هو التحصين اي يتحصنون بالحسنة من مضاعفات السيئة و هذا معنى آخر تحمله الآية ، و قد ورد في الحديث :
ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لمعاذ بن جبل :

" اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها "لهم عقبى الدار ؟

[ أولئك لهم عقبى الدار ]

ما هي عقبى الدار ؟

[23] [ جنات عدن يدخلونها و من صلح من أبائهم و أزواجهم و ذرياتهم ]ايمانهم يتعدى حدود إنقاذهم لأنفسهم وحدهم الى الآباء و الأزواج و الأبناء ، فايمان المرء نجاة لذويه ، و هذا أفضل جزاء لهم ، فمع فرحهم بالجنة تقر أعينهم برؤية ذويهم يلتحقون بهم .

وقد ورد في الأحاديث :

" ان المؤمن يشفع في مثل ربيعة و مضر "


[24] [ و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتــم فنعم عقبى الــدار ]هذا من أفضل الجزاء الذي ساقه الله للصابرين على البأساء و الضراء ، و الصابرين على الطاعة لوجه الله ، و الصابرين عن ممارسة الباطل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس