فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات
و هم يكفرون بالرحمن

[30] [ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم ]

ان الله أرسل الرسول الى أمة سبقتها أمم جرت عليها السنن الألهية كما ستجري على امة الرسول (ص) أيضا ، و هذه الآية توضح الامتداد الطبيعي للبشرية ، و أن في البشرية خطا متكاملا ، و ان الأمم مهما اختلف زمانها و مكانها عن امة الرسول فهناك جامع مشتـرك بين سائر الأمم ، و هي كما سبق ذكره محكومة بسنن واحدة تجري على الكل .

[ لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك ]

الهدف من رسالة الرسول ان يكون معبرا عن حقيقة الرسالة ، و ان الرسول مهما تحمل من الجهد فهو مجرد تال لما نزل عليه ، اي أن الرسول ليس صانعا للوحي ، وانما يؤدي دور المرآة اذ يعكس الرسالة الى امته .


[ و هم يكفرون بالرحمن ]

جذر كفرهم انما هو بالرحمن و ليس بك ، و قد جاء في الدر المنثور عن ابن جريح في قوله : " و هم يكفرون بالرحمن " قال : لما كاتب الرسول (ص) قريشا في الحديبية كتــب " بسـم الله الرحمن الرحيم " قالوا : لا نكتب الرحمن ، و ما ندري ما الرحمن ؟! و ما نكتب الا باسمك اللهم (!) فانزل الله ، " و هم يكفرون بالرحمن " .

[ قل هو ربي لا إله إلا هو ]

هـــذا هو الرحمن الذي يكفرون به ، لا اله غيره ، رب الأرباب ، لا ند له ولا نظير .

[ عليه توكلت ]

في دعوتي اليكم مع تكذيبكم بي .

[ وإليه متاب ]

اليه بخوعي و انابتي .


حقيقة القرآن :

[31] [ و لو ان قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ]لما واجههم الرسول بعد طلبهم الآيات بالقرآن ، وأكد على انه المعجزة الكبرى تعللوا بأن هذا القرآن المعجزة لو سيرت به الجبال من حولنا ( حول مكة ) حتى نستطيــع أن نزرع ، أو قطعت به الأرض كما كان سليمان يرسل الرياح فيقطع بهاالارض ، أو كلم به الموتى ، كما كان موسى و عيسى لكانوا يؤمنون به ، ولكن لو أنزل الله مثل هذه الآيات ، اكانوا يؤمنون بها ؟! و لكن قصدهم التعجيز و تحدي الرسالة ، فلن يرسل الله مثل هذه الآيات ، و هذا القرآن له القدرة على هذه الأشياء لو عرف الانسان كيف يستغله ، و قد قال الله سبحانه : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " .

[ بل لله الأمر جميعا ]

ان الله يستطيع ان ينزل هذا القرآن ، و قد انزله فعلا .

جــواب " لو " في الآية " و لو ان قرآنا سيرت " محذوف و تقديره احد هذين المعنيين :

أولا : لما أفادهم .

ثانيا : لكان هذا القرآن .

و حسب نظري ان كلا الجوابين صحيحان ، فلو كان القرآن كذلك لم ينفعهم كون القرآن تسير به الجبال و تقطع به الارض و يكلم به الموتى ، و ثانيا : ان القرآن كذلك ، و قد استطاع ( كما اسلفنا ) المؤمنون حقا الذين استوعبوا حقائق القرآن ان يستفيدوا منه هذه الفوائد .


اليأس من الاصلاح :

[ أفلم يياس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ]منع الله الآيات عنهم ليس سببا لضلالتهم ، بل لأن الله لم يهدهم ، فان الله لا يهدي الا من ينيب .


و اليأس هنا له معاني ، فمن معانيه العلم ، اي " افلم يعلم الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " و هي لغة هوازن ، و قال بعضهم : ان الياس معناه القنوط و شرب معنى العلم فيكون المعنى : " افلم يعلم الذين آمنوا ان الله لم يشأ هدايتهم و لو يشاء لهدى الناس جميعا " ، و قال بعضهم ان هناك باء محذوفة فيكون تقدير الكلام " افليم ييأس الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " .

وفي الحقيقة فان هناك جامعا مشتركا لهذه الحقائق الثلاث - فمن جهة يجب أن ييأسوا من اهتداء هؤلاء ، ويعلموا بأن هؤلاء لن يهتدوا ، و بالتالي يجب أن يعلموا بأن الله لو يشاء لهدى الناس جميعا ، فالمعنى واحد .

[ و لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ]

" و لا يزال " تفيد الاستمرارية ، و ربما تعبر هذه الكلمة عــن تضمين معنى السنة الدائمة ، و ثانيا : ان الانسان هو الذي يصنع مصيره بنفسه ، فالعذاب هو نتيجة ما اقترفت اليدان من الذنوب ، و القارعة هي الكارثة .

فهذه الكوارث الالهية تصب و لا تزال تصب على رؤوس الكافرين .

[ أو تحل قريبا من دارهم ]

فمكة مثلا لم تكن تصاب بالحروب او بالزلازل ، بل تنزل هذه المصائب فيما حولها ، و لكن لم يتعظ الكافرون .

[ وحتى يأتي وعد الله ]

هذه القوارع ما هي الا ارهاصات يصبها الله عاجلا على الكافرين ، اما القارعة الحقيقية فهي في الآخرة " القارعة * ما القارعة * و ما أدراك ما القارعة * يوم يكونالناس كالفراش المبثوث * و تكون الجبال كالعهن المنفوش " ( القارعة / 1 -5 )[ إن الله لا يخلف الميعاد ]

ان الله لن يخلف موعده مع الكفار بأن يأخذهم في ذلك اليوم حيث لا يستقدمون عنه ساعة و لا يستأخرون .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس