فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
الايمان الصادق :
[ 16] الايمان ليس بالتمني ، ولكنه بصدق العمل و تحدي الصعاب في سبيل الحق ، والذي يجعل الايمان ذا مصداق واقعي هو الجهاد ، و بذل منتهى الوسع في سبيل تحقيق أهداف الايمان .
[ ام حسبتم ان تتركوا و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ]و الله سبحانه سوف يبتلي المؤمنين بصعوبات و يأمرهم بتحديها بالجهاد ، و هناك شرط اخر لصدق الايمان يتحقق بالولاء الخالص لجبهة الحق ، وعدم السقوط في ولاءات باطلة و متداخلة .
[ ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ]أي وسيلة و دخيلة ، و بالتالي إنتماء .
[ و الله خبير بما تعملون ]
العمل الصالح جوهر لا مظهر :
[ 17] ولان الهوية الاسلامية لا تتحقق الا باخلاص الولاء لله و للقيادة الرسالية و للمجتمع المسلم ، فان هذا هو المعيار الذي يحدد المؤمن و الكافر اما الاعمال الظاهرية مثل عمارة المساجد ، فانها ليس لا تنفعهم فقط بل و تضرهم ايضا . اذ تصبح شاهدة عليهم .
[ ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر ]لان المسجد هو محراب المؤمن الذي يحدد هوية المجتمع المسلم و قيادة المتثملة في الرسول و أوليائه . لا أولياء الشيطان من أنصار الطاغوت ، و عبدة الاصنام الحجرية و البشرية .
[ أولئك حبطت اعمالهم ]
لان العمــل الــذي لا يستند الى قاعدة صلبة من الرؤية السليمة و الايمان المهيمن . انه يسقط كما شجرة بلا جذور ، وكما بناء بلا أساس .
[ وفي النار هم خالدون ]
[ 18] عمارة المسجد لا تتم بوضع حجر فوق حجر ، بل بتنفيذ كل الواجبات الدينية التي تجعل المسجد المبني معمورا حقيقة ، وذلك بالايمان بالله و اليوم الاخر ، و بالصلاة لله و ايتاء الزكاة ، و بمقاومة الضغوط التي تأتي من القوى السياسية و الاجتماعية و تحاول تركيع البشر و دفعه باتجاه التسليم للطاغوت .
[ انما يعمر مساجد الله من آمنه بالله و اليوم الاخر و اقام الصلاة و اتى الزكاة ولم يخش الا الله ]فالخشية من غير الله تدفع البشر نحو التسليم له عمليا وهو الشرك .
و اذا توفرت هذه الشروط كاملة فان جوهر الصلاح و الفلاح و هو الوصول الى الحقيقة يتحقق .
=10 [ فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين ]
و ربما كان تعبير القرآن بـ ( عسى ) هنا او بـ ( لعل ) في موضع آخر ، للدلالة على عدم الركون الى مظاهر الامور ، و السكون عند حد معين من العمل ، او من تحقيق شروط الهداية بل يجب العمل بجد و مثابرة و الخشية من الا يكون مقدار العمل كافيا لتحقيق الهدف المنشود كما الانسان الذي يخشى موت ابنه من المرض . كيف يوفر كل الوسائل ، ولكنه يظل يبحث عن المزيد من وسائل العلاج خشية الا يكون ما هيأه كافيا .
و العمل الصالح يزيد الهدى و العكس صحيح ، اذ ان الظلم يحجب العقل ، و يمنع البشر من الهداية كما يأتي في الآية القادمة .
[ 19] الاعمال الظاهرية ليست كالاعمال الجذرية .. فليست سقاية الحاج و تعمير المسجد الحرام كالايمان بالله و اليوم الاخر ، و الجهاد في سبيل الله لأن الكافر و المنافق و الفاجر قد يقوم بمثل هذه الاعمال الظاهرية التي قد يتستر وراءها للقيام بالاعمال الشاذة.
[ اجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الاخر ]وقد جاء في الحديث : قيل : ان عليا قال للعباس " يا عم ألا تهاجر . ألا تلحق برسول الله ؟! " فقال : ألست في اعظم من الهجرة . اعمر المسجد الحرام ، و اسقي حاج بيت الله فنزل : " أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الاخر " (1)
[ و جاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ]
(1) تفسير نور الثقلين / ج 2 / 194
ان الجهاد هو ذلك المقياس الذي لا يخطأ اذا كان في اطار الايمان لانه تحد للشهوات و الاهواء و مقاومة للطاغوت ، و بلورة للارادة . و كثير اولئك الذين يبررون تقاعسهم عن الايمان و الجهاد وعما يتطلبه الجهاد من مساع و تضحيات . يبررونه ببعض الاعمال الظاهريةذات اللافتة العريضة ، و الخواء الواقعي مثل طبع نسخ القرآن و تفاسيره و كتب التراث ، و اجراء الحدود الامنية على المستسضعفين مثلما السلطات الطاغوتية التي كلما تخالف نصوص الدين في منح الحرية و الرفاه و المساواة تزيد من ترديد الشعارات البراقة ، و تسميه الشوارع و المدارس باسم الحرية و الرفاه و المساواة ، او تزيد من رواتب علماء الدين و بناء المعاهد الدينية ، و كلماتخالف تعاليم الاسلام في التحرر و الاستقلال و الديمقراطية تزيد من تنفيذ تعاليم الدين في جلد الزاني و اعتقال شارب الخمر ، و مكافحة ما يسمى في عرفهم بالارهاب و الجريمة .
و كما يصنعه الطاغوت ، يفعله التجار الكبار الذين يتحالفون مع الحكام الظلمة ، و يمتصون دماء المحرومين ، ولكن يقدمون فتات موائدهم للفقراء ، و يبنون مستشفى او مستوصف او يعبدون طريقا ، او ما شبه ، في الوقت الذي يتركون الشعب و حده في مواجهة السلطات الطاغوتية ، او المستعمر الغاشم .
وهكذا نجد العباس بن عبد المطلب عم الرسول بعد ان اسر في حرب بدر ، و اقبل عليه اناس من المهاجرين و الانصار و عيروه بالكفر و قطيعة الرحم نجده يبرر عمله قائلا : مالكم تذكرون مساوءنا ، و تكتمون محاسننا قالوا : وهل لكم من محاسن قال : نعم ، و الله لنعمر المسجد الحرام ، و نحجب الكعبة و نفك العاني ( أي الاسير ) فأنزل الله تعالى : " ما كان للمشركين ان يعمروا ... " .
و كلمة اخيرة : ان كل واحد منا يمكن ان يصبح طاغوتا او متحالفا مع الطاغوت ، و يبتلى بخداع ذاتي لا يقدره الله ولا الضمير ولا التأريخ ، فعلينا اننتمسك بمقياس دقيق لكي نمنع عن انفسنا مرض الخداع الذاتي ، ذلك المقياس هو الجهاد ففي اللحظة التي تشعر انك تسترخي و تترك مقاومة الانحراف فقد استسلمت و خارت ارادتك ، و يمكن ان تنتهي واقعيا و دون ان تشعر بذلك لأن الهداية تتأثر بعمل الانسان و تصميمه و مشيئته ، فالظالم لا يهتدي ، لذلك اكد القرآن في نهاية الآية :
[ و الله لا يهدي القوم الظالمين ]
فالظالمون قد تورطوا في الضلالة و هم يحسبون انهم مهتدون ، و الله يدعهم لانفسهم و يتركهم لشأنهم .
[ 20] في المقياس الاسلامي يعطى الجهاد الاولوية ، ثم تترتب سائر الاعمال الخيرية مثل : عمارة المساجد ، و بناء المدن ، لان أهم شيء عند الانسان هو تحرره عن التسلط السياسي و الاستغلال الاقتصادي ، و بناء المؤسسة الاجتماعية الصالحة و بعدئذ يأتي دور الاعمار .
[ الذين ءامنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و انفسهم ]من اجل إقامة حكومة الله في الارض . حكومة الحرية و العدالة و الاستقلال . هؤلاء :
[ اعظم درجة عند الله ]
مــن سائر من يقومون بالخدمات الاجتماعية ، أعظم من الباحثين في المختبرات ، و الاساتذة في الجامعات و العمال في المصانع و الفلاحين في الحقول ، و الوعاظ في المساجد لان النظام السياسي و الاقتصادي الفاسد يذهب بخيرات كل اولئك ، و ربما يستغل كل تلك المكاسبمن أجل تدعيم سلطة الطاغوت ، و تكريس ظلمه و فساده
فمثلا : قد تجد كل جامعات الولايات المتحدة تبحث لتقدم اطروحة علمية في الفيزياء او الكيمياء ، و يقوم العمال الخبراء في كثير من المصانع بتحويل الاطروحة الى واقع و تصنع سلاحا فتاكا يهدم حقول و مصانع الشعب الفيتنامي ، وحتى الوعاظ في كنائس امريكا قد يتحولون في ظل نظام التسلط الرأسمالي الى خدم بسطاء لاستراتيجيات البنتاغون ، فيدعمون سياسة التجنيد من أجل الحرب ضد الشعب الفيتنامي .
اذا اولئك المجاهدون الذين يهدفون تغيير النظام الفاسد ، و تحرير الانسان من عبودية الرأسمالية او التسلط ؛ اولئك اعظم درجة عند الله من سائر الناس .
[ و أولئك هم الفائزون ]
[ 21] ولأهمية هذا العمل ، و لخطورته البالغة على حياتهم و لتضحياتهم الكبيرة في هذا السبيل فانه لا يقدم عليه الا المخلصون حقا الذين لا يحسبون لانفسهم حسابا و انما يهدفون فقط خدمة الناس ، و ابتغاء مرضاة ربهم لذلك كان جزاؤهم عظيما .
[ يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان ]
و من مظاهر الرحمة اسقاط الطاغوت و استخلافه ، و الوصول الى سدة الحكم من اجل القيام بخدمات اكبر مما سبق .
اما الرضوان فهو تيسير أمورهم من عند الله ، و بلوغ حالة الطمأنينة و السكينة ، هذا في الدنيا .
[ و جنات لهم فيها نعيم مقيم ]
دائم ولا يخشى زواله .
[ 22] [ خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم ]
|